لم يعد الصراع في السودان مقتصراً على قطبي الجيش الدعم السريع فمع استمرار حرب 15 أبريل 2023 وتداعيات انقلاب 25 أكتوبر 2021، تحوّلت البلاد تدريجياً إلى “دولة المئة مليشيا”، نظراً للعدد الهائل من التشكيلات المسلحة التي باتت تنتشر في مختلف الأقاليم.
هذا التضخم العسكري غير المنضبط، يمثل أخطر مؤشر على الانزلاق نحو الحرب الأهلية الشاملة.
الأرقام المتداولة تتحدث عن ظهور 13 مليشيا جديدة ووجود نحو 100 تشكيل مسلح، مما يعني أن سلطة الدولة تحتضر لصالح سلطة السلاح المتعددة. إن بيئة الحرب هي البيئة المثالية لتكاثر هذه الظاهرة، “انتشار السلاح وغياب القوانين والضوابط وتباين المصالح” عوامل تتيح لأي مجموعة قبلية أو سياسيةأو ذات مصلحة أن تتحول إلى فاعل مسلح يسعى لحماية مكتسباته أو تحقيق أهدافه على حساب الأمن القومي.
إن الخطورة تكمن في أن هذا التكاثر لم يعد في ولايات بعينها مثل، بل امتد إلى مناطق لم تكن ساحات قتال تقليدية، ليشمل كل السودان .
يعكس لجوء الأطراف المتحاربة الرئيسية إلى استقطاب وضم حركات مسلحة إضافية محاولة لتحقيق تفوق ميداني سريع مما يؤدي إلى تشتيت الولاء العسكري، وتغذية الصراعات القبلية والإثنية تحت غطاء “القتال القومي”.
إن النتيجة المباشرة لتفشي هذا التعدد العسكري هي تفاقم المأساة الإنسانية.
ولاية الجزيرة، التي كانت سلة غذاء وملاذاً للنازحين، تحولت إلى بؤرة كارثية، كما تستمر الانتهاكات وسقوط الضحايا نتيجة القتل المباشر أو الوفاة بسبب الأوبئة وسوء التغذية في الخرطوم.
أما الفاشر، فتمثل نموذجاً لعودة الصراع بكامل ضراوته، مما يؤكد أن الحل العسكري لا يزال هو الخيار المهيمن لكل الأطراف ، وأن شبح الحرب الأهلية الشاملة يزداد اقتراباً مع كل مليشيا جديدة ترفع السلاح.
المشهد السوداني أمام حقيقة مرة: استمرار الحرب يحول النزاع الحالي تدريجياً إلى فوضى شاملة لا يمكن السيطرة عليها، حيث يصبح العنف اللامركزي هو القانون السائد، وتضيع أي فرصة لعملية سياسية حقيقية تنهي الأزمة.





