تكشف معطيات مؤكدة حصلنا عليها من مصادر موثوقة عن تحركات عسكرية وسياسية سرّية تستهدف إعادة رسم خريطة النفوذ في دارفور عبر ما يُعرف بخطة «تشليع مناوي». هذه الخطة، التي يقودها جناح داخل المؤسسة العسكرية السودانية، تستثمر في الصراعات العشائرية القديمة، وتُغذّي الانقسامات الداخلية، وتستخدم أدوات مالية وإعلامية لشراء الولاءات وبناء شبكات بديلة. ما بين التاريخ الدموي لجبهة الخلاص، وتجربة دمج بعض القادة في الجيش، والصفقات المالية التي تدار من الخارج، تتشكل صورة خطيرة عن تفكك الحركة وفقدانها لمقومات البقاء.
أولاً: جذور الصراع — من مهاجريه إلى اللحظة الراهنة
الخلاف بين مجموعة مناوي ومجموعة بخيت (عشيرة كريمة) ليس وليد اليوم، بل منذ أيام جبهة الخلاص، وُثِّقت مواجهات مباشرة أبرزها معركة مهاجريه، التي قُتل فيها القائد محمد شين من أقرباء مناوي يومها، رفض بعض القادة العسكريين، مثل جمعة حقار، الانخراط في قتال مجموعة بخيت، لكن مناوي أصرّ على التحريض، ما عمّق الشرخ التاريخي. هذه الوقائع أظهرت أن الانقسام لم يكن سياسياً فقط، بل عشائرياً ذا جذور عميقة، وهو ما تستثمره المؤسسة العسكرية اليوم في خطتها لتفكيك الحركة.
ثانياً: بخيت كرجل الجيش الأول في دارفور
بعد تلك المواجهات، اختار بخيت خياراً مختلفاً عن مناوي: لم يركن إلى المناورات ولا التحالفات المؤقتة، بل سلّم ضباطه للترتيبات الأمنية ودمجهم بالكامل في الجيش. هذه الخطوة جعلت منه «رجل الجيش الأول» في دارفور، ينظر إليه القادة العسكريون كشخصية بلا أجندة خفية ولا تكتيكات معقدة. الجيش شجّعه على لملمة أطرافه وصناعة تنظيم أقوى من حركة مناوي، ما مهّد لاستقطاب عشيرته وإعادة بناء قواته على أسس جديدة.
ثالثاً: إعادة بناء قوات قشن وأرت أرت
بخيت بدأ فعلياً باستنهاض عشيرته، وجمع أقرباءه لتقوية قوات قشن وأرت أرت، واستقطب عناصر حتى من داخل حركة مناوي، مثل فيصل صالح رئيس الأركان. الهدف الواضح هو خلق تنظيم متماسك عشائرياً يوازي، وربما يتجاوز، حركة مناوي. أحد المصادر علّق قائلاً: «مكاتب حركة تحرير السودان في أوروبا وأمريكا تسيطر عليها عشيرة مناوي، ولا بد من كسر هذا الاحتكار عبر بناء بدائل عشائرية وسياسية».
رابعاً: الشبكات المالية والتجارية
المعطيات تشير إلى أن مناوي فقد السيطرة على موارد حركته، إذ تذمّر ضباطه من تحويلات مالية ضخمة جرى توجيهها إلى الخارج. من بين التفاصيل:
• مبالغ تصل إلى 28 مليون دولار كدفعة أولى، إضافة إلى 5 ملايين دولار شهرياً من مكتب البرهان.
• تحويلات مالية إلى دبي لصالح ابن أخت مناوي بابكر.
• استثمارات في مومباسا عبر تجارة السكر المستورد من البرازيل.
• عقارات في تركيا.
• تمويل لتجار ذهب من المقربين.
هذه التفاصيل تثير تساؤلات خطيرة حول غسيل الأموال واستخدام موارد الحرب لأغراض شخصية، وهو ما يضع قادة الحركة في مواجهة تبعات قانونية دولية.
خامساً: التفكيك السياسي والإعلامي
المؤسسة العسكرية لم تكتفِ بالشق المالي والعشائري، بل دفعت باتجاه حملة سياسية وإعلامية:
• استقدام شخصيات انتقالية مثل عثمان ذنون مقابل 50 ألف دولار، لتجميل صورة «المشتركة».
• ضم اللواء أبو قرون في صفقة انتقال حر، دون تأثير عملي.
• الاعتماد على أصوات إعلامية لتشويه الخصوم، مثل عضو سابق في تجمع المهنيين يديره صبير (الاستخبارات).
• دور كباشي في استقطاب شخصيات مثل شمو.
• استثمار علي كرتي في كادر نسوي تقوده ماريا عثمان، تموله تجارة ذهب برأس مال يقارب المليون دولار، وتُستخدم كأداة ضغط على مناوي.
سادساً: استهداف القيادات الداخلية
مناوي أبعد وجوهاً مؤثرة مثل القانوني كورينا، والإعلامي مصطفى جميل، والمستشار متوكل، ومانديلا. ما تبقى له شخصيات بروتوكولية أو بلا تأثير فعلي. مثال صارخ: أبو عبيدة الخليفة، الذي يوضع في الصفوف الأمامية ليظهر كأنه «جلابي» مع حركة مناوي، بينما عملياً لا يملك سوى فردين معه بعد 25 عاماً من الانضمام.
سابعاً: خطة الاستخبارات لتشليع الحركة
التقرير يؤكد أن الاستخبارات العسكرية تعمل بخطة هادئة ومنظمة:
1. تقسيم الحركة إلى ثلاث مجموعات (عسكريون يشرف عليهم كباشي وصبير، سياسيون تحت رعاية البرهان، جناح مناوي ونور الدائم تحت سيطرة ياسر العطا وعلي كرتي).
2. سحب قوات مناوي من الصحراء إلى كردفان لتقييد حركتها ومنعها من التمرد أو الانضمام لتحالفات أخرى.
3. تحريض الخلافات الداخلية، مثل صراع عشيرة دبجو القلي قارقي مع الشرتاي آدم صبي، حيث يقف مناوي مرتبكاً، قلبه مع الشرتاي وجسده مع خصومه.
4. التمهيد لمرحلة جديدة: تكليف بخيت دبجو بدمج قوات قشن وعرد عرد في الجيش، وتفريغ حركة مناوي من أقرباء دبجو، لصالح تحالف أكثر موثوقية مع ياسر العطا.
ثامناً: التبعات الخطيرة
• سياسياً: مناوي يُفقد شرعيته التفاوضية، بعدما أصبح أسيراً للانقسامات والتمويلات المشبوهة.
• عسكرياً: قواته تُستنزف وتُفكك تدريجياً، بينما يجري بناء بدائل أكثر ولاءً للجيش.
• قانونياً: مسارات الأموال والتحويلات تكفي لفتح ملفات غسيل أموال وتمويل غير مشروع.
• اجتماعياً: الانقسام العشائري يُفاقم تفكك النسيج المحلي ويُضعف فرص الاستقرار في دارفور.
ما يجري ليس مجرد خلاف داخلي عابر، بل خطة متكاملة لتجريد مناوي من كل مقومات القيادة، وتحويل حركته إلى كيانٍ مفرغ من الداخل. الأدلة المالية، الانقسامات العشائرية، الحملات الإعلامية، والتحركات الاستخباراتية كلها تؤكد أن ما يُسمى بـ«تشليع مناوي» هو مشروع استراتيجي يمضي بهدوء لكن بخطى ثابتة. إن استمرار هذه الخطة دون مساءلة أو تدخل سيحوّل دارفور إلى ساحة مزيد من التفتت، ويضع قادتها في مواجهة عزلة سياسية وقانونية محققة.





