بقلم: عمار نجم الدين
السودان اليوم يقف على مفترق تاريخي. عبد الفتاح البرهان يقدّم نفسه كقائد براغماتي، بينما هو في الواقع مجرد واجهة لجماعة إسلامية أعادت البلاد إلى مأساة التسعينات. هذه ليست براغماتية، بل قناع يغطي عجزاً وتبعية كاملة.
الخطر الحقيقي لا يأتي فقط من الداخل، بل من القاهرة. مصر لم تتعامل يوماً مع السودان كشريك مستقل، بل كحديقة خلفية لمصالحها. دعمها للنظام الدكتاتوري الإسلامي لم يكن مصادفة، بل سياسة ثابتة. في التسعينات، حينما غرق السودان في مشروع الجبهة الإسلامية، فضّلت القاهرة الصمت على القمع والانتهاكات، لأنها رأت في الخرطوم المرهونة ضمانة لمياه النيل وأراضيه.
بعد 2013، مع سقوط حكم الإخوان في مصر، تغيّر خطاب القاهرة ظاهرياً، لكنها استمرت في التعامل مع السودان بنفس المعادلة: دعم أي سلطة تضمن تبعية الخرطوم لمصالحها. لم يكن يهم من يحكم، إسلامي أو عسكري، طالما أن القرار السوداني يمكن التحكم فيه من الخارج.
وفي 2019، مع سقوط البشير، لعبت القاهرة دوراً مزدوجاً. في العلن قدّمت نفسها كضامن عبر الاتحاد الأفريقي، وفي الكواليس استثمرت علاقتها مع السعودية والإمارات لتضمن أن الانتقال في السودان يبقى تحت مظلة إقليمية يمكنها التأثير فيها. لم يكن الهدف مساعدة السودانيين على بناء دولة ديمقراطية، بل منع أي تحول قد يحرّر القرار السوداني من الوصاية المصرية.
اليوم، تستمر اللعبة نفسها مع البرهان. القاهرة لا تدعمه لأنه قوي، بل لأنه ضعيف. هي تتحكم فيه كما تُحرّك خيوط دمية في مسرح العرائس. رجل بلا قرار مستقل يصبح الأداة المثالية لمشروع استعماري ناعم: السيطرة على الأرض، الاستفادة من المياه، وإبقاء السودان دولة تابعة.
قبول الرباعية هنا ليس مجرد تكتيك سياسي أو إنساني، بل ضرورة تاريخية. الهدف ليس فقط إدخال المساعدات أو تهدئة عابرة، بل الوصول إلى وقف شامل للحرب، منع الاستعمار الجديد، وبناء دولة عادلة. الرباعية، خصوصاً في بعدها الإنساني، تمنح السودان إطاراً دولياً يقيّد المشروع المصري ويعرّي البرهان والإسلاميين. صحيح أن مصر هي الخطر الأكبر داخل الرباعية ولا يمكن إبعادها، لكن يمكن تطويق نفوذها ودفعها إلى موقع دفاعي، بحيث تتحرك مضطرة ضمن مسار يوازن مصالح السودان ولا يكرّس تبعيتها .
السودانيون لا يقبلون العودة إلى الثلاثون سنة السابقة ، ولا يقبلون أن يُدار بلدهم من عاصمة أخرى. الرسالة للعالم واضحة: السودان الجديد ليس للبيع. تحالف تأسيس هو البديل الواقعي لبناء دولة مختلفة، والرباعية يمكن أن تكون بداية الطريق نحو العدالة والسيادة الحقيقية.





