تقرير خاص: مركز رؤى الإعلامي
في ظل التحولات الجيوسياسية العميقة تجاه جماعة الإخوان، تتكشف مؤشرات متلاحقة على عزم الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية، في خطوة من شأنها إطلاق مرحلة غير مسبوقة من العزلة الدولية وملاحقة قياداتها ومصادر تمويلها.
وفي سلسلة حوارات خاصة، أكد ثلاثة من الخبراء السياسيين الغربيين البارزين، وهم خلدون النبواني (المتخصص في الشأن الأوروبي والفرنسي)، ورامي بطرس (المدرس بجامعة «شنايدر» في كندا)، والأمريكي ماك شرقاوي، أن واشنطن تجاوزت مرحلة المراجعة وقطعت نهائيًا كل الجسور مع الجماعة، معتبرين أن خطاب الضحية الذي ترفعه لم يعد مجديًا في العواصم الغربية.
فرنسا – خلدون النبواني: المعركة الحقيقية في تجفيف المنابع ومواجهة الفكر المتطرف
أكد خلدون النبواني، الباحث المتخصص في الشأن الأوروبي والفرنسي، أن «مواجهة جماعة الإخوان تمثل تحديًا استراتيجيًا طالما أنها تحظى بدعم قوى تمتلك أدوات المال والإعلام والقدرة على الاختراق»، مشيرًا إلى أن جوهر الصراع لا يتمحور حول التصنيف فقط، بل في «القدرة على تقويض نفوذها، وتجفيف منابع تمويلها، ومجابهة خطابها الأيديولوجي الذي يغذي التطرف عالميًا».
وأضاف النبواني، الحامل للجنسيتين السورية والفرنسية: «تمتلك الجماعة منذ تأسيسها هيكلية مزدوجة تجمع بين العمل السياسي والعسكري، وهذه الازدواجية تجلت بوضوح في سياقات تاريخية عديدة، كما حدث في سوريا خلال عقد الثمانينيات، حيث برز جناح مسلح تبرأت منه الجماعة علنيًا، لكنه يظل جزءًا لا يتجزأ من بنائها الفكري والعقائدي».
ولفت إلى أن المعضلة الأساسية التي تواجه صناع القرار في الغرب تكمن في «صعوبة الفصل بين جناحيها السياسي والإرهابي»، موضحًا أن التنظيم يقدم نفسه كحزب سياسي في المحافل الدولية، لكنه لم يتخل عن مرجعيته الفكرية التي تشرعن العنف.
وأشار إلى أن هذا الالتباس هو ما يجعل عملية التصنيف في أوروبا معقدة للغاية، خاصة مع تطور أساليب العنف لدى المنتمين للجماعة، والتي لم تعد تقتصر على العمليات المنظمة، بل امتدت إلى هجمات فردية يصعب تتبعها تنظيميًا.
وحذر من صعوبة تمييز الإخوان عن التنظيمات المتطرفة مثل «القاعدة» و«داعش»، رغم اشتراكهم في الخلفية الفكرية ذاتها، مشددًا على أن الإخوان يتميزون بـ«كونهم الأكثر تنظيمًا، والأوضح في أدبياتهم، والأكثر خبرة في العمل السياسي والاختراق».
وختم بالقول: «مواجهة الإرهاب تبدأ بمراجعة النصوص التأسيسية للتطرف، وعلى رأسها كتابات سيد قطب التي مهدت الطريق أمام العنف».
الولايات المتحدة – ماك شرقاوي: القرار سيخنق الشبكة المالية ويعيد رسم التحالفات
من جانبه، رأى السياسي الأمريكي ماك شرقاوي أن التحرك الأمريكي نحو تصنيف الجماعة «ليس مجرد إجراء قانوني، بل هو تحول استراتيجي في رؤية واشنطن لملف الإسلام السياسي والجماعات عابرة القارات».
وأوضح شرقاوي أن المعايير القانونية الأمريكية للتصنيف تقوم على ثلاثة أركان: «أن تكون المنظمة أجنبية، ومتورطة في نشاط إرهابي أو لديها القدرة والنية لذلك، وأن تشكل تهديدًا للأمن القومي الأمريكي»، معتبرًا أن جماعة الإخوان تستوف هذه المعايير بشكل كامل عبر سجلها التاريخي وشبكاتها المالية المشبوهة.
وأكد أن الأهمية الاستراتيجية للقرار تكمن في آثاره الدولية، حيث أن «تصنيف واشنطن لأي منظمة يضع الحكومات والمؤسسات التي تتعامل معها تحت المجهر»، متوقعًا أن تدفع هذه الخطوة الحلفاء الأوروبيين، وخاصة فرنسا وألمانيا، إلى مراجعة سياساتهم بشكل جذري.
وكشف أن البعد المالي للقرار سيكون «ضربة قاضية» لأذرع الجماعة الاقتصادية، حيث سيؤدي إلى «تجميد أصولها وتجريم أي تعامل مالي معها»، مما سيشل شبكات التمويل التاريخية في أوروبا وتركيا وقطر.
وأضاف أن القرار يحمل أيضًا رسالة سياسية داخلية، تهدف إلى تعزيز صورة الإدارة الحالية في ملف مكافحة الإرهاب، خاصة في ظل انتقادات سابقة بشأن تعاملها المتساهل مع الجماعة، كما أنه سيؤثر على المشهد الانتخابي المقبل.
وتوقع شرقاوي أن تخلق هذه الخطوة «توترًا مع الدول الحاضنة لقيادات الإخوان، chiefly تركيا وقطر»، والتي ستواجه خيارًا صعبًا بين «الاستمرار في دعم التنظيم ومواجهة العزلة، أو إعادة حساباتها بما يتوافق مع الموقف الأمريكي الجديد».
وخلص إلى أن القرار «سيغير قواعد اللعبة» وينقل التعامل مع الإخوان من الإطار السياسي إلى الإطار الأمني العابر للحدود.
كندا – رامي بطرس: أداة تخريب لم تعد مقبولة
بدوره، وصف الإعلامي رامي بطرس، المدرس بجامعة «شنايدر» في كندا، التوجه الأمريكي بالخطة التاريخية نحو «التخلص من أعداء الاستقرار العالمي»، معتبرًا إياه نقطة تحول في المواجهة مع التطرف.
وأكد أن واشنطن أدركت أخيرًا أن «الإخوان أداة تخريب ودمار تعمل على تقويض سيادة الدول ومؤسساتها الشرعية»، مشيرًا إلى تورطها في عمليات إرهابية وغسل أموال وتدخلات سافرة في الشؤون الداخلية للدول.
وحذر بطرس من استمرار تهاون كندا في التعامل مع الجماعة، محذرًا من أن «هذا التردد يهدد الأمن القومي والمجتمع الديمقراطي الكندي على المدى البعيد».
وختم بأن الموقف الأمريكي يمثل «رسالة واضحة للعالم بأسره مفادها أن مرحلة المجاملات السياسية مع الإخوان قد انتهت».
—





