عبد الرحمن الكلس
في حضرة الرد، تهرب الضباع، وتلوذ بثغاء الكلام عن غيرها، كما فعل محمد محمد خير: هرب من الرد على ما كتبت، لأن المقال الأخير لم يكن “مقال رأي”… بل مرآة.
قرأ كلماتي – كما قال – ولم يجد فيها ما يمكن دحضه، فصمت!!
ثم خرج بتسجيلٍ صوتي متهالك، يلوك فيه أسماءً تافهة وصغيرة على مقاس قامته الخفيضة، كـ”ملاسي”، علّ الشتيمة تطغى على السؤال، أو يضيع اللطام في زحمة الكلام!
جاء صوته في التسجيل كصدى رجلٍ سقط على رأسه ذات عارٍ، فنسِي من يطارده، وراح يتخاصم مع من يشبهه.
كتبت مقالًا حادًا، صريحًا، كاشفًا، كنت أصف فيه حاله كما هو، لا كما أريد ويريد الناس… وأين لي لغة نظيفة في وصف القذارة والعفونة؟..
كنت أكتب – كعادتي- أطلق الكلام نورًا يشق العتمة التي حُرّم عليها الكلام، ولم أكن أكتب من أجل إرضاء أحد، أو نيل إعجاب أحد..
كتبت ووصفت ماضيه كما حاضره، وتحدثت عن شبقه الأبدي للسلطة والثمن، فماذا فعل؟ لم ينكر! لم يرد! بل ارتعد، وتعلّق بشتم شخصٍ آخر… هو نسخة طبق الأصل منه، كما يُقلّد الظل حركته!!
وعندما حاول الحديث عمّا كتبته عنه، أكّد وصفي له من حيث لا يريد، كاذبًا ومتجنيًا –كدأبه– قائلًا إنني وصفته بـ”ابن الحرام”، وهو ما لم يحدث .. وذاك هو مقالي لا يزال طازجًا بين يدي الناس، وهذا هو مآله؛ ماثلٌ بين أيديكم!
إن وصف “ابن زنا” لا أستخدمه، ولا يوجد في قاموس مفرداتي، ولا أتمثل القذارة التي يعيشها من يفتقر حتى إلى شرف الولادة المجهولة، إذ إنني لم أرَ يومًا في الإنسان -أي إنسان – ما يربط قيمته بجهة ميلاده ونسبه، ولا قيمة للنسب على جبين الحقير…
والعار، ليس في عدم وجود الأبوين ؛ بل العار كل العار؛ أن يُولد المرء بين والديه المعروفين، فينشأ تافهاً وذليلًا ووضيعًا ولصًّا، ولوطيًّا أيضًا، ليس بالجينات، وإنما بالتكسّب!
أو بلغة أكثر تحديدًا: كمحمد محمد خير.
أيها القارئ النبيل، تأمّل في الموقف:
رجلٌ يُلقى في وجهه مقالٌ بحجم الحقيقة، مزوّد بالوقائع والتواريخ، فإذا به يتجاهله، ليمارس إسقاطًا طفوليًا بذيئًا على رفيقه القديم في الخسة والخيانة؛ شتمه، جرّده من الوعي والتفكير، سخر من أصله، ووصفه بالرخص!!
المدهش أن كل نعتٍ أطلقه على رفيقه السابق ملاسي، كان بمثابة نزعٍ للغشاء عن ذاته… وكم هو مريع أن ينطق إنسانٌ بألفاظٍ تفضح ماضيه:
قال عنه: “ساقط”؛ فبدت سيرة “الفتيحاب” القديمة… لا مدرسة، لا شهادة، ولا مهنة!!
قال عنه: “رخيص”؛ فارتدّت الكلمة على صوتٍ قضى حياته كلها يمسح الأحذية بقلمه، وينافق ليأكل!!
وقال عنه: “يدور على الموائد”؛ فظهر هو يصل إلى بورتسودان ليأكل من مائدة البرهان، بعد أن أكل من مائدة حميدتي!!
يا محمد محمد خير، إن لم تكن أكلت من مائدة حميدتي، وتمتعت بمال الدعم السريع، فقل للناس:
ألم تكن معيشتك وسكنك وعلاجك وسفرك من الخرطوم إلى تورنتو على مقاعد الدرجة الأولى على حساب حميدتي؟
قل للناس عن مقالاتك التي كانت تسوّد صحيفة “الصيحة” – وأرشيفها موجود – مدحًا رخيصًا، ثم تذهب إليه مساءً لتتسوّله!
إن لم تكن أكلت من مال الدعم السريع، فقل لهم: من أين لك شقتك في القاهرة الواقعة في “مدينتي”؟
قل لهم الحقيقة، كما كنت تقولها لأصدقائك – قبل الحرب – متباهيًا بقربك من حميدتي ورضاه عنك… علّه يسمعك، أو يسمع ممن سمعه منك!
أنت تعلم يا محمد، أنك رخيص.. جدًّا.
أنت لست مهزومًا… بل أنت بلا معركة أصلًا.
لست خائنًا… لأنك لم تنتمِ يومًا لمبدأ.
وأنت لست متلوّنًا… لأنك من أول لحظة، وُلدت رماديًّا؛ ليس بين الأبيض والأسود، بل بين النجاسة والبؤس!!
ما بين تورونتو والقاهرة وبورتسودان، يترنّح هذا الجسد البائس المتعفّن، يحمل ذاكرة رجلٍ تم اغتصاب روحه ثم بُصق عليها، فاستمرأ النذالة، وصار “يفتي” من فمه الذي ذاق الخمر، والدم، والنقود، والسُّحت.
اكذب كما شئت،
اشتم من شئت،
توسّل كلّ الجنرالات، وقل إنك كنت تكتب من أجل “الوطن”!
لكن… لا تنسَ أن هناك مقالات تُكتب، لا تُنسى…
تمامًا كما لا يُنسى اللص حين يُقبض عليه متلبّسًا.
وأنت تعلم أنني أملك الأدلة… وتعلم أنك نصّاب… علامةُ نصبك: الفتحة.





