بقلم:فاطمة لقاوة
قرأت ما كتبته حوازم مقدم تحت عنوان: “المسيرية… وقود الحرب المنسي في مشروع لا يشبه السودان”، ولم أدهش كثيرًا، فقد اعتادت بعض الأقلام التي تتغذى على فتات السلطة أن تكتب للتاريخ المزور لا للتاريخ الحي.
ما كتبته ليس مقالًا، بل مرثية مزيفة لمن لم تمشِ في جنائزهم يومًا، ولم تذرف دمعة على فقرهم، ولا عرفت جراحهم إلا حين قررت أن تلوِّنها بأحبار الخيانة،وهي قابضة ثمن ذلك لتتسكع به على ضفاف البحر الأحمر.
لأول مرة، يختار المسيرية — شبابًا وشيبًا — الخروج من معسكر التبعية، ومن جُحر التوظيف القذر الذي أحالهم في عهد الإنقاذ إلى كتائب لا تُدفن، بل تُنسى.
لم نرَ حوازم تكتب عن ضحايا جهاز أمن البترول المُعذبين بالنار، ولا عن جحيم الرُعاة في أبيي، ولا عن المعارك العبثية التي زُجّ فيها المسيرية لصالح الخرطوم وباسم “الوطن”.
لم تكتب عن فظائع أحمد هارون، ولا عن “كباتن الإنقاذ” الذين حوّلوا المسيرية إلى حرس خاص لنظام مجرم،وباعوا أهلهم بثمنِ بخس،لكنها اليوم تكتب، فقط لأن المسيرية اختاروا أن لا يكونوا بيادق بورتسودان.
المقال مليء بالدموع الإصطناعية، لكنه لا يملك شجاعة تسمية المجرمين الحقيقيين: من باع الأرض، ونهب البترول، وشق القبائل، وحوّل المجتمعات إلى ركام،وسرق الثروات الزراعية والحيوانية والغابية .
من يتحدث اليوم عن المسيرية، ينسى أو يتناسى أن الضحية الحقيقية كانت في إرتكاب مجرمي الإنقاذ للجرائم المُمنهجة إتجاه إنسان غرب كردفان و سكوت أمثال حوازم عن ظلم إستمر لثلاثة عقود، لا عن اختيارات أبنائهم الأخيرة التي كسرت السلسلة التي قيدت أجيالاً.
المسيرية اليوم لم يعودوا أداة،بل قرروا أن يكونوا شركاء نضال في حروب التحرر التاريخي العظيم.
مَن لا يعجبه أن ينهض شعب المسيرية من رماد التبعية، فليبلع حبره،لأن زمن الأقلام المُدجّنة ولى.
هذا الجيل الشبابي اليوم يعرف من قتل أهله في أبيي، ومن تآمر عليهم في الخرطوم، ومن باع دمهم ببراميل البترول والدولار.
أما حوازم، فلتنظر في المرآة قليلًا:
هل كتبتِ عن تنمية مفقودة؟
أو عن الرعاة الذين يقتلون على مشارف أبيي؟
وهل تجرأت يوما ما للحديث عن التلوث البيئي بسبب شركات الخرطوم العاملة في البترول دون ضوابط أو رقابة؟
هل تحدثت عن الجثث التي لم تُكرم منذ عهد “الماكينة رقم ٣ في هجليج”؟لم تفعلي يا حوازم ، ولن تفعلي.
لأنكِ كُنت سابقا من المُدجنيين والآن ضمن جوقة بورتسودان التي ترى في المسيرية مجرد رقم، إلا حين يقررون رفع رأسهم.
المسيرية اليوم ليسوا أدوات أحد، بل صوتًا حرًا وسط مشروع يُبنى على الندية لا العبودية، على العدالة لا العطالة، وعلى الدم الطاهر لا على بيانات الكذب المنمق.
نحن لا نعتذر عن وقوفنا مع مشروع تحرير السودان من قبضة الكيزان وفلولهم في المركز.
المستقبل سيحفظ أسماء من ناصروه، وسيرمي بالبقية في حاوية النسيان، ولو كتبوا آلاف المقالات.
لا حاجة لنا برثاءٍ كاذب،لا نريد دموعًا على الورق،نريد فقط من يقول الحقيقة: “المسيرية اليوم، لم يعودوا حطبًا، بل نارًا تُنير درب الهامش.”
لأول مرة: المسيرية يختارون طريقًا يُشبههم
والسلام على من أنصفنا.