كاربينو يكتب…
في زمن تتساقط فيه الكلمات أمام جبروت القمع، وتغيب العدالة في غبار البنادق، ترتفع أرواح الشهداء لتسجل شهادتها الأبلغ من كل الخطب، شهادة الدم والوجع والحق المسلوب هكذا رحل عبدالعظيم عبد الله محمد صالح، ليس لأنه حمل سلاحاً أو انتمى لفصيلٍ يقاتل، بل لأنه كان من أولئك الذين تسحقهم آلة الطغيان فقط لأنهم بشر.
من دار السلام بجبل أولياء خرج عبدالعظيم، ابن قبيلة السلامات، إنسان بسيط يحمل مرض السكري في جسده ولا يحمل أي انتماء سوى لأسرته وأرضه ، تم اعتقاله قبل شهور في مدينة المناقل بواسطة خلية أمنية تتبع لما يسمى بـجيش الدولة، لكنها عملياً لا تؤمن لا بالدولة ولا بالإنسان، خلية لا تعرف من القانون شيئً ولا تحفظ للكرامة وزناً.
اعتُقل عبدالعظيم بلا تهمة، وسُجن بلا محاكمة، وعُذب بلا رحمة ، لم تشفع له حالته الصحية، ولا صرخاته التي لم يسمعها أحد، ولا عذاب السنين التي كابدها، انتهى كل شيء حين فاضت روحه الطاهرة في المعتقل، وصعدت إلى بارئها شاهدةً على الجريمة.
والأكثر فظاعة من ذلك كله أن يُدفن الشهيد دون إعلام أسرته، دون إجراءات قانونية، دون حتى ورقة تُثبت وفاته، وكأن إنسانيته تُسحق مرتين؛ في الحياة وفي الموت.
إن ما جرى لعبدالعظيم عبد الله ليس مجرد حالة معزولة، بل هو نموذج صارخ لسلوك دولة تتحلل من كل التزاماتها الأخلاقية والقانونية ، وحين تصمت المؤسسات المحلية عن هذه الفظائع، يصبح واجب التحقيق الدولي أمراً لا مفر منه.
نطالب وبأعلى صوت أن تفتح المؤسسات الدولية، وعلى رأسها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، تحقيقاً مستقلاً في هذه الجريمة، وأن يُحمل مرتكبوها المسؤولية الكاملة، من الآمر إلى المنفّذ.
فعبدالعظيم لم يكن رقماً، ولا متهماً في ملف أمني، بل كان إنسانًا، ومكانه كان يجب أن يكون في المستشفى لا في المعتقل.
*رحم الله عبدالعظيم، وجعل شهادته لعنة تطارد القتلة، ودرباً يضيء للعدالة طريقها نحو الحقيقة.