بقلم: صدام عبدالعزيز
محلل سياسي وباحث في قضايا الهامش
مقدمة لا بد منها
إلى كل مسؤول يتهيأ لتولي منصب، سواء كان مدنيًا أو عسكريًا، منتخبًا أو معينًا، محليًا أو مركزيًا…
نكتب لك من أقصى بقعة في هذا الوطن، من الهامش الذي ظننتموه صامتًا، فإذا به يثور… مظلومًا، فصار واعيًا… مغلوبًا، فصار قويًا.
نكتب إليك الآن لتعلم أن الزمن قد تغيّر، وأن معادلات الأمس لم تعد تصلح لحكم اليوم، وأن الشعارات البراقة لم تعد تُسكت الجوعى أو تُخدع بها العقول المستنيرة.
الهامش الذي كان… والهامش الذي أصبح
لعقود طويلة، كان الهامش في نظر السلطة المركزية مجرد مخزون بشري للاستغلال، وموارد طبيعية للنهب، ومساحة جغرافية لا تستحق التنمية.
كان يُستخدم وقودًا للحروب ومجرد “رقم انتخابي” يُشترى بالرغيف أو الوعود الكاذبة، ثم يُرمى في طي النسيان.
لكن الآن، تغير كل شيء .
أصبح شباب الهامش مثقفين، واعين، مدركين للحقوق والواجبات.
أصبحت المرأة في الهامش صوتًا حاضرًا، ومشاركة في النضال، والقرار، والعمل العام.
أ صبحت القرية تقرأ، والفريك يناقش، والدامر يحتج، والريف ينتج ويفكر ويخطط .
بات للهامش قضاياه الخاصة، وصوته الخاص، ومطالبه المشروعة التي لا مساومة فيها .
أيها المسؤول: كرسيك اليوم تحت الرقابة الشعبية
إن الكرسي الذي تجلس عليه ليس امتيازًا ولا غنيمة، بل تكليف مشروط بتحقيق مطالب الناس.
لم تعد المسألة تتعلق بالولاء السياسي أو العلاقات الشخصية، بل بمدى قدرتك على خدمة الناس بصدق وكفاءة، وتمثيل قضاياهم بجرأة وأمانة.
كل مسؤول قادم إلى مناطق الهامش عليه أن يسأل نفسه:
هل أنا ملم فعلًا بتاريخ هذه المناطق؟
هل أعرف ماذا يعني أن تعيش أسرة في منطقة بلا مستشفى؟
هل زرت مدرسة طلابها يجلسون على التراب؟
هل تحدثت إلى شباب ضاق بهم الوطن ولم يجدوا عملًا؟
هل التقيت بالنازحين، واللاجئين، وضحايا النزاعات؟
إن لم تفعل، فاعلم أن الهامش لن يسكت عنك، ولن يرحمك التاريخ.
من الهامش تبدأ العدالة
لا يمكن أن يكون هناك سلام حقيقي أو دولة عادلة دون أن يكون الهامش شريكًا أصيلًا، لا تابعًا.
والمسؤول الذي لا يُدرج قضايا الهامش في أولوياته، هو ببساطة يعيد إنتاج نفس الظلم الذي فجّر الحروب، وأفقد الناس ثقتهم في الحكومات.
الهامش يحتاج:
تنمية متوازنة لا تقوم على المحاصصة السياسية، بل على الاحتياج الحقيقي.
خدمات أساسية مستدامة: كهرباء، مياه، صحة، تعليم.
تمثيل سياسي حقيقي في كل مستويات الحكم.
مصالحة مجتمعية عادلة تعيد الحقوق، وتُرسي السلم.
الهامش أصبح يتكلم… ويسمع العالم
اليوم، الهامش لا ينتظر من يتحدث باسمه.
لقد وُلد جيل جديد، جيل واعٍ لا يُشترى، ولا يُخدع، ولا يُدار بالعصا.
جيل يكتب، ويوثّق، ويُراسل الصحف، ويقف في المنابر، ويتظاهر بكرامة.
جيل يعرف أن الحقوق لا تُمنح بل تُنتزع، وأن التهميش لم يكن قدرًا، بل سياسة ممنهجة آن أوان إسقاطها.
خلاصة القول
أيها المسؤول القادم…
إن كنت تنوي المجيء إلى الهامش بخطاب فوقي، أو وعود جوفاء، أو نظرة استعطاف… فلا تأتي.
أما إن كنت مستعدًا لأن تكون من الهامش وللهامش، تحمل قضاياه، وتخدم ناسه، وتناضل من أجل إنصافه… فأهلًا بك شريكًا في التغيير.
الهامش اليوم لا يقبل النفاق السياسي، ولا يرحب بالمجاملات.
إنه يُريد حقه… وبكل وعي، سيأخذه.
التاريخ: الأحد 29 يونيو 2025م