بقلم: فاطمة لقاوة
في الوقت الذي تبذل فيه جهود إقليمية ودولية مضنية للوصول إلى تسوية تحفظ ما تبقى من السودان المنكوب، يطل عبد الفتاح البرهان – من جديد – كأكبر متلاعب بخرائط الأمل، معلناً قبوله بهدنة إنسانية في مدينة الفاشر، التي أصبحت مرآة لجرائم الحرب التي تُرتكب على مرأى ومسمع العالم.
قبول البرهان بهذه الهدنة ليس تحولاً نحو السلام، بل استمراراً في سلسلة طويلة من المناورات والإنتهازيات التي وسمت سلوكه منذ صعوده في مشهد ما بعد سقوط البشير، وحتى تفجير الحرب في 15 أبريل 2023.
البرهان الذي ظهر للثوار حارساً للثورة بعد إزاحة البشير، سرعان ما خلع زيه العسكري الأخضر ليكشف عن عمق تحالفه مع قوى الردة والثورة المضادة.
في 3 يونيو 2019، قاد البرهان بنفسه هندسة ،المجزرة المروعة في ساحة القيادة العامة، وهي الجريمة التي لا تزال دماء ضحاياها تلطخ كلماته كلما تحدث عن “حماية الوطن”.
خدع البرهان الشعب والمجتمع الدولي بادعاء التزامه بالانتقال المدني الديمقراطي، لكنه كان يُعدّ العدة مع الإسلامويين للانقضاض، وهو ما حدث فعلياً حين وقع الاتفاق الإطاري مع المدنيين لا حباً في المدنية، بل لتجميل وجهه أمام الخارج بينما كان يُحضّر لحربه الكبرى ضد الدعم السريع.
حين بدأت وساطات دولية لوقف الحرب ١٥أبريل 2023، كانت الرسالة المركزية من البرهان أنه “محاصر” في القيادة، ويريد فقط مخرجاً سلمياً،وتدافع الوسطاء لإنقاذه، فإذا به يخرج لا كزعيم يبحث عن السلام، بل مُجرم يجر خلفه ملفات التنسيق الكامل مع كتائب الإسلاميين، ويواصل إشعال نار الحرب التي دمّرت الخرطوم وأحرقت دارفور ودارفور والجزيرة ومعظم أنحاء البلاد.
لقد كانت الخدعة الكبرى، التي دفع ثمنها ملايين السودانيين من أرواحهم وأرزاقهم ونزوحهم، تكمن في استغلاله لتلك الثغرة التي وفّرها المجتمع الدولي له، باعتباره شريكاً ضرورياً في السلام، بينما كان في الحقيقة وقوداً أساسياً للحرب.
في كل مرة تُفتح فيها ممرات إنسانية، يتقدم البرهان ليُعلن “التزامه بتسهيل وصول المساعدات”، لكن الواقع مغاير تماماً،
فقد ثبت مراراً أن قواته ومؤسساته سيطرت على كميات ضخمة من الإغاثات، خاصة في شرق السودان ومناطق نهر النيل، ثم جرى بيعها في السوق السوداء لشراء السلاح وتمويل المجهود الحربي.
تلك ليست مجرد اتهامات بل شكاوى موثقة من منظمات إنسانية ومنصات حقوقية، طالبت مراراً بوضع آليات مراقبة حقيقية للإغاثة، خاصة بعد تحويلها إلى وقود لمعارك لا أخلاقية.
قبول البرهان بهدنة في الفاشر لا ينبغي أن يُفهم إلا كسعي لتجميل صورته دولياً، وكسب الوقت لإعادة التموضع عسكرياً، وربما نقل مزيد من التعزيزات إلى دارفور قبل أي تفاوض حقيقي.
هذا البرهان المُجرم! لا عهد له، والتاريخ – القريب قبل البعيد – يشهد بأنه يستغل أي فرصة إنسانية أو سياسية لصالح آلة الحرب، لا لصالح الوطن.
إن أي وقف إطلاق نار لا يجب أن يُمنح للبرهان بدون أدوات رقابة صارمة، ووجود ميداني دولي مباشر، يمنع تحويله إلى وسيلة للتجييش وإعادة الانتشار.
هدنته، ليست إلا استراحة محارب يريد العودة إلى الخراب.
أظهرت التجربة أن البرهان لا يؤمن بحلول سياسية، ولا يفكر في الوطن إلا كغنيمة،وهو اليوم لا يفاوض إلا مجبراً، ولا يقبل هدنة إلا هارباً، ولا يبتسم للسلام إلا حين يخطط لطعنه.
إن السودان يستحق سلاماً حقيقياً، لا خدعة جديدة على يد رجل اختار منذ اليوم الأول أن يكون خنجراً في خاصرة الوطن.
《 إنه البرهان وإدمان اللعب على حبال الدم》.
ولنا عودة بإذن الله
الجمعة،27 يونيو 2025