في زمنٍ كثرت فيه الشعارات وقلّ فيه الفعل، وتوارى فيه كثيرون خلف العجز والتردد، برز اسم التجاني كرشوم كواحدٍ من تلك القيادات القليلة التي لا تُولد في الظروف العادية، بل تُصنع في لهيب الأزمات.
هو رئيس الإدارة المدنية بمدينة الجنينة، وقائدٌ من طراز فريد، اجتمعت فيه خصال الشجاعة، والحكمة، والصبر، وحُسن التدبير في أحلك الأوقات.
■ من تحت الركام.. بدأت القصة
حين تحوّلت الجنينة إلى مدينة منكوبة، تسكنها رائحة البارود، وتصحو على أصوات الجراح، لم تكن بحاجة إلى شعارات ولا لجان طوارئ من وراء المكاتب، بل كانت تحتاج إلى رجل مسؤول، يُنقذ ولا يُناور، يَبني ولا يُبرّر، يَظهر ولا يَختبئ.
وهنا تقدم التجاني كرشوم بثبات، ليتحمّل مسؤولية إعادة تنظيم حياة الناس في مدينة أنهكها الحصار، والاقتتال، والدمار.
بخطى ثابتة وإرادة حديدية، بدأ مع معاونيه في تفعيل الإدارة المدنية، وإعادة الخدمات الأساسية، وفتح الطرق، وتأمين الأسواق، وتشغيل المرافق الصحية والتعليمية، وتنسيق المبادرات الإنسانية.
■ مدينة الجنينة اليوم.. من مأساة إلى نموذج
ما تحقق في الجنينة لا يُقاس فقط بالأرقام، بل بالتحوّل العميق في واقع المدينة، ومزاج أهلها، وصورتها أمام العالم.
اليوم، أصبحت الجنينة – التي كانت عنواناً للكارثة – واحدة من أكثر المدن السودانية أمناً واستقراراً وتنظيماً، بفضل الجهود المتكاملة التي قادها التجاني كرشوم، بحسّ إداري عالٍ، وانضباط ميداني، وارتباط مباشر مع هموم المواطن.
الأسواق مفتوحة، المدارس تعمل، الأمن مستتب، والناس استعادت حياتها تدريجياً بثقة وكرامة.
كل ذلك تحقق لا لأن الظروف كانت مواتية، بل لأن هناك رجلاً لم يستسلم للظروف، بل واجهها وصنع منها أداةً للنهوض.
■ خصال القيادة النادرة
ما يميز التجاني كرشوم ليس المنصب، بل السلوك القيادي الحقيقي.
فهو: •لا يطلب الأضواء، لكنه حاضر في كل موقف حرج.
•يُصغي للناس، ويتنقّل بين الإدارات والمرافق دون حراسة أو تكلّف.
•يحترم المؤسسات، ويعمل على تعزيزها لا تهميشها.
•يملك صبراً عجيباً على التحديات، وحزماً واضحاً في القرارات.
•يؤمن بأن الأمن لا يصنع بالبندقية فقط، بل بالعدل، والتنظيم، وخدمة المواطن.
حين غابت الدولة المركزية عن واجبها تجاه الجنينة، وحين تجاهلت حكومة الظل في بورتسودان معاناة أهلها، حمل التجاني كرشوم الأمانة، وأثبت أن الدولة ليست مباني الوزارات، بل الرجال القادرون على إدارة الأزمات، وإحياء المجتمعات، وصون كرامة الإنسان.
التجاني كرشوم لا يحتاج إلى تمجيد مصطنع، فواقع الجنينة اليوم هو أفضل شهادة على ما قدّمه.
ولعل أهم ما يُقال عنه: إنه رجل جاء في الوقت الصعب، وبقي واقفًا حين انكسر كثيرون، ومضى بالناس من العتمة إلى الضوء، ومن الألم إلى الأمل.
﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُم أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾
[السجدة: 24]
إبراهيم الريس