لم يعد خافياً على أحد أن ما يسمى ب”تحالف بورتسودان” بات اليوم نموذجاً صارخاً لتحالفات المصلحة قصيرة الأجل، التي تنهار تحت وطأة التناقضات وكعكة السلطة. التحالف الذي ظهر بعد إشعاله الحرب الجارية الان كانّه منقذ للسودان، تَكَشَّف سريعاً أنه مجرد تجمع هجين هش، قائم على المحاصصات والصفقات، بعيداً كل البعد عن أي مشروع وطني حقيقي.
حركات جوبا.. من دماء الشعب إلى أحضان الكيزان
أكثر ما يثير السخرية والمأساة في آنٍ واحد، هو انخراط بعض حركات اتفاق جوبا، التي رفعت يوماً شعار “تحرير الشعب”، في تحالفات مكشوفة مع النظام البائد وأذرعه الأمنية والسياسية، بحثاً عن فتات سلطة ومقاعد وزارية. هؤلاء الذين تاجروا بدماء أهلهم، يجدون أنفسهم اليوم في موقف لا يُحسدون عليه، بعد أن بدأ الكيزان نفسهم يتبرّؤون منهم، بل ويشيطنونهم عبر وسائل إعلامهم، ويصفونهم بالخونة ولهاثي السلطة.
الخطاب الإعلامي للكيزان بات واضحاً: الحركات التي باعت نفسها، لا تستحق ما مُنِحَت من وزارات، وهي السبب المباشر للهزائم الميدانية الأخيرة في كردفان والمثلث الصحراوي، بعد انسحابهم من تلك المواقع وترك الجيش مكشوفاً، لتكون النتيجة فقد هذه المناطق الاستراتيجية.
سلطة الوزارات.. ملكية خاصة لأول مرة في تاريخ السودان
في الاجتماع الأخير بين البرهان وحركات جوبا، تم الاتفاق مرحلياً على تثبيت مكاسبهم في الاستوزار. أي أن الوزير أصبح يتعامل مع وزارته كملكية خاصة، لا سقف زمنياً لبقائه فيها، ولا مساءلة أو تغيير، وكأننا أمام نظام إقطاع سياسي علني لأول مرة في تاريخ السودان. والأخطر أن هذا الترتيب تم خارج صلاحيات رئيس الوزراء المعين كامل إدريس، في إشارة واضحة إلى أن الرجل سيكون مجرد ديكور، يُستدعى للابتسامة الرسمية، بينما تُدار الملفات الحساسة بعيداً عنه.
الصراع القادم.. المليشيات والمغانم وقادم الأيام
تحالف البرهان مع حركات جوبا لا يُمثّل نهاية الطريق، بل هو بداية “باب جهنم” كما يصفه المراقبون. الصراعات المقبلة ليست احتمالاً، بل شبه حتمية، مع المليشيات التي أُنشئت مؤخرًا، سواء مليشيات الشرق، مليشيات كيكل، أو حتى أذرع الكيزان الأمنية والعسكرية.
القوى التي تدعم الحرب وتتحكم في مفاصل الجيش لن تقبل بأن يُمس نصيبها من الكعكة، ولا أن يتم استفراد الوزارات بحركات مصلحية باعوا كل شيء من أجل مقعد. ومع تعثّر تشكيل الحكومة بفعل الصراع على الوزارات، سيجد كامل إدريس نفسه أمام واقع مُفخخ، وزمنٌ يُسرق منه، وتحالف يتفكك “طوبة طوبة”، خاصة مع خطط تقليص صلاحيات الوزارات التي يحتفظ بها عناصر الحركات، وتحويلها تدريجياً إلى هياكل ديكورية بلا نفوذ.
مؤشرات واضحة.. حميدتي يُلوّح ويُراقب
في ظهوره الأخير، أشار حميدتي بالاسم إلى مناوي وجبريل، مرحباً بهما في أي وقت، في رسالة واضحة بوجود قنوات تواصل وتفاهمات خفية، تُعيد ترتيب الأوراق، وتُهدد بفتح صراعات جديدة على السلطة، وربما تُمهّد لحرب داخلية داخل ما يسمى “تحالف بورتسودان”.
الخلاصة.. تحالف بورتسودان هش، بلا مشروع، تحكمه الصفقات، وتنهشه الصراعات، وما يُحاك خلف الكواليس أخطر مما يظهر للعلن. وبورتسودان، مقبلة على مرحلة جديدة من الفوضى، في ظل مشهد فيها أسير لأطماع لارتزاق الحركات وتكتيك الكيزان .