التوعية اولا
صوت الحق والهامش
📌 *الخرطوم بين الوهم والحقيقة: هل انتهت الحرب فعلاً؟*
✍️ بقلم: صدام عبدالعزيز
مدير الإعلام بالحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال (قطاع التماس)
محلل سياسي وباحث اجتماعي
في خضم هذا الظلام الكثيف الذي يلفّ السودان، وبينما لا تزال نيران الحرب تشتعل في أجزاء واسعة من البلاد، تفاجأنا بحملة إعلامية منظمة تسعى لإقناع الرأي العام بأن الحياة قد عادت إلى الخرطوم، وأن المطار أعيد تشغيله، والجامعات تستعد لاستئناف الدراسة.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل حقًا انتهت الحرب؟ أم أن ما يجري ليس سوى وهم مُصطنع ومحاولة يائسة من أنصار الجيش لإنتاج صورة غير واقعية عن الواقع المعاش؟
*الخرطوم لا تزال تنزف*
منذ اندلاع الحرب بين الجيش ومليشياته من جهة، وقوات الدعم السريع من جهة أخرى، أصبحت الخرطوم واحدة من أكثر عواصم العالم دمارًا ومعاناة.
فقد نزح منها مئات الآلاف، وتحولت أحياؤها إلى ساحات قتال، وسُحقت تحت أقدام الرصاص والمدافع والمآسي.
لم تُعلن نهاية القتال رسميًا، ولم يوقع الطرفان اتفاقًا ملزمًا بوقف إطلاق النار، ولا تزال جبهات عدة مشتعلة.
صحيح أن قوات الدعم السريع أخلت الخرطوم فعليًا في الفترة الأخيرة، إلا أن الخرطوم لم تُحرَّر، ولم تُرمَّم، ولم تُؤمَّن، وما تزال مدينة منهكة من آثار الحرب.
*من يسيطر على الخرطوم اليوم* ؟
القول بأن الخرطوم “تحت السيطرة” مجرد وهم سياسي وأمني. فالواقع يقول إن المدينة ما زالت مدمّرة وخالية من مؤسسات الدولة.
أما قيادة الجيش، فقد غادرت العاصمة منذ وقت طويل إلى بورتسودان، حيث تدير البلاد من هناك، برفقة الحكومة ورئيس الوزراء المكلف.
فكيف يُعقل أن يُطلب من المواطن العودة إلى مدينة لا يجرؤ حتى كبار القادة العسكريين على الإقامة فيها؟
من يشغل المطار؟ ومن يفتح الجامعات؟
تشغيل المطار أو الحديث عن فتح الجامعات لا يعكس بالضرورة عودة الاستقرار. بل ربما هو مجرد مشهد دعائي مرتبك، ضمن سياق سياسي يسعى لتحسين صورة “السلطة” القائمة، ومحاولة لإيهام الداخل والخارج بأن الأمور تحت السيطرة.
لكن الحقيقة أن تشغيل المطار لا يُعيد الأمن، وأن فتح الجامعات لا يُعيد آلاف القتلى، ولا يعوّض عن النزوح الجماعي الذي حدث، ولا يعالج الانهيار الكامل في المؤسسات الخدمية من كهرباء ومياه وصحة ونقل وتعليم.
*لا عودة دون وضوح… ولا حياة دون أمان*
الحديث عن “عودة الحياة” في الخرطوم لا معنى له في ظل غياب الضمانات الأمنية والسياسية، والانهيار الكامل في البنية التحتية.
ففي الوقت الذي يروّج فيه البعض لفتح الأسواق والمستشفيات وعودة المواصلات العامة ومعظم المرافق الحيوية، فإن الحقيقة على الأرض تقول غير ذلك تمامًا:
_الأسواق تعاني من انعدام الإمدادات والخدمات، والكثير من المحلات مغلقة أو مدمرة_ .
_المستشفيات لا تعمل إلا جزئيًا أو لا تعمل مطلقًا، بفعل القصف، أو نقص الكوادر، أو انعدام الإمدادات الطبية_ .
_المواصلات شبه منعدمة في كثير من الأحياء، مع تدمير واسع في الطرق والجسور_ .
_الكهرباء والمياه شبه غائبتين، ما يجعل الحياة في العاصمة غير ممكنة بشكل فعلي._
وما يزيد الصورة قتامة، تقارير صادمة تشير إلى أن الخرطوم قد لا تكون صالحة للحياة لثلاثين عامًا قادمة، وذلك بسبب استخدام الجيش ومليشياته لأسلحة كيميائية خلال المعارك، وفقًا لمصادر طبية وتقنية. هذه التقارير تؤكد أن التلوث في التربة والمياه والهواء بلغ مستويات كارثية، وأن خطر الأمراض المزمنة والمتفشية قد يلازم العاصمة لعقود.
كيف إذًا، بعد كل ذلك، يُطلب من المواطنين العودة؟
كيف لمن لا يستطيع توفير شربة ماء أو ضوء مصباح أن يقنع الناس أن الخرطوم أصبحت مدينة آمنة صالحة للسكن؟
إن ما يحدث ليس سوى حملة تضليل كبرى، تحاول طمس الحقيقة خلف واجهات إعلامية مزيفة.
*مسرحية سياسية أم تحضير لواقع أسوأ؟*
قد يكون ما نشهده اليوم هو مجرد مسرحية سياسية، تحاول من خلالها أطراف الحرب تحسين مواقعها التفاوضية أو بناء شرعية زائفة، استعدادًا لمرحلة قادمة. وقد تكون محاولة لفرض “واقع جديد” يجعل الحرب جزءًا من الحياة اليومية، وهو ما يعني تطبيع الأزمة لا حلها.
*موقفنا كقوى الهامش*
نحن في الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال (قطاع التماس) نؤمن بأن العودة الحقيقية تبدأ بإيقاف الحرب، وبتحقيق سلام عادل، وبتفكيك كل المليشيات، بما فيها تلك المضمّنة داخل الجيش.
نرفض محاولات التضليل الإعلامي التي تستهدف المواطنين البسطاء، ونؤكد أن العودة إلى الخرطوم لا يجب أن تتم إلا بعد معالجة الأسباب الجذرية للحرب، وبتحقيق انتقال سياسي حقيقي، لا مساحيق تجميل على وجه دولة منهارة.
*ختامًا* :
إن الخرطوم لا تحتاج إلى “مسرحيات عودة” بقدر ما تحتاج إلى حقيقة واضحة، ومصارحة وطنية، ومشروع سياسي جديد.
فمن غير المقبول أن يُطلب من الشعب أن يتصالح مع الخراب، ويقبل بالذل، ويعود إلى حياة مزيفة، فقط ليُقال إن الجيش قد “انتصَر” بينما هو لا يزال بعيدًا عن ميادين المواجهة الحقيقية.
ولا يمكن أن تُبنى دولة على الخداع، ولا تُصنع الثقة بالكذب، ولا تعود الحياة في وطن لم يتوقف فيه الموت بعد.
✊🏿 المجد للشهداء، والحرية للنازحين، والسلام للسودان
والوعي هو أول معاركنا نحو التحرير.
التاريخ 21 يونيو 2025