منعم سليمان
في زمن الانهيار الشامل، لا تأتي الكارثة وحدها، بل تصحبها كوميديا سوداء، سافرة، ثقيلة الظل. وإذا كانت الحرب قد دمّرت البلاد، وشرّدت الملايين، ومزّقت جسد السودان إلى أوصال رخوة تتناهشها الميليشيات، فإن كامل إدريس، أو كَميل إدريس كما يحب أن يُطلق على نفسه، جاء ليضيف إلى الجرح ملح السخرية.
هذا الكَميل الكاريكاتوري ليس ثقيل الظل فحسب، بل ثقيل المعنى. دخوله المشهد السياسي لم يفتح بابًا للأمل، بل نافذةً للسخرية. ومن مهابة الموقع إلى خفة الأداء، أصبح مجرّد “تريند” عابر في وسائل التواصل، ومادةً للتنكيت، وسببًا إضافيًا لأن يفقد السودانيون ثقتهم في أي شيء يشبه الدولة. وآخر ما أتحفنا به هو قراره المضحك والفكِه: إدراج دروس وعِبَر الحرب في المناهج الدراسية!
لكن لا بأس، دعونا ننظر إلى رمزية هذا القرار بنظرة أكثر عمقًا، بعيدًا عن كوميديته وسخريته: كامل إدريس، دمية البرهان ومحلّل انقلابه وحرب كيزانه، يطالب بتدريس حربٍ لم تنتهِ بعد، ولا يعلم أحد غير الله متى وكيف ستنتهي، ولصالح مَن؟ ويطالب بأخذ العِظة والعِبرة منها، بينما هو نفسه عاجز عن تسميتها بما هي عليه، ولا يملك الجرأة على المطالبة بوقفها أو إدانتها، بل ولا يجرؤ حتى على التفوّه بتسمية أطرافها!
وما لا يدركه هذا الأرجوز، رئيس الوزراء الافتراضي، أن الحرب وهي مستعرة لا تُدرَّس ولا تُكتب على السبورة، بل تُدان. وأن الحروب لا تُدرَّس إلا بعد أن تنتهي، ولا يُكتب التاريخ إلا بعد أن يجفّ الدم. وأن تحويل المأساة، في ظل الحرب، إلى مادة تعليمية ليس تثقيفًا، بل تطبيع مع الجريمة. وأن دروس اللحظة الراهنة ليس فيها عِظة أو عبرة، بل مأساة، ونحيبٌ على أطلال الخرطوم، وعويلٌ في نازحي الجزيرة، وجوعٌ وأسلحة إبادة في دارفور، وغصّةٌ في حلق الوطن كلّه.
لقد علّمتنا هذه الحرب أن الضحك والسخرية، أحيانًا، أرقى أشكال الغضب، وأأمن أدوات النجاة. وكميل إدريس هذا، رغم كل شيء، لا يستحق الكراهية والغضب، بل الشفقة؛ فهو لا يعدو كونه دميةً تتحرّك بخيوط مرئية من فوقها، لا تتكلم حين تتكلم، ولا تقرّر حين تقرّر… مهمتها الوحيدة: الإضحاك، والتسلية، والترفيه.
فلْتُدرّس الحرب إذن، وليكن الدرس الأول: أن الوطن لا يُحكم بالدُمى. وأن نكتب، قبله، في الصفحات الأولى:
هكذا سقطت الدولة… وهكذا أصبح الهزل نظام حكم!