(من ذاكرة الفيس)
حاتم الياس
لمدة ثلاثون عاماً لم يستطع (الكيزان)! بأن يكونوا جزءاً من الذاكرة الآجتماعية السودانية وهي ذاكرة سندها طبقي وإجتماعي أسري وعشائري له جذور عميقة ومؤثرة في سياق دولة مابعد الإستعمار، لذلك كان الترابي ذكياً حين سعى لخلق رافعة إجتماعية للتنظيم تجعل من بعض منسوبيه علاقة ما بتاريخ الطبقة الإجتماعية السودانية، فبدأ بنفسه وهو القادم من قرية والترابي الصغيرة جهة الجزيرة بأن يمد أواصر المصاهرة مع آل المهدي وكأن مهره آنذاك كان شهادة جامعة الخرطوم ودكتوراة السوربون ووجاهة الأفندي الغردوني.
طبعاً هذه حالة ربما تخص جماعات كبيرة من خريجي مؤسسة غردون الطامحين في الإنتساب للطبقة العليا الإجتماعية، ذلك أن الجامعة وقتها لم تكن تقدم شهادة جامعية فقط وإنما باعتبارها أحد أماكن إعداد وتفريخ الطبقة الإدارية والسياسية العليا في البلاد كانت إضافة لذلك تقدم شهادة (الكفاءة في النسب والمصاهرة)، لذلك شجع الترابي أبناء التنظيم على مصاهرة العائلات الكبيرة خصوصاً المرتبطة بالبيت المهدي وكبار عائلات الأنصار، أما المراغنة فكان يعلم أن الأسرة المرغنية منغلقة إجتماعياً وتضع مسافة صارمة بينها وبين المجتمع في قضية النسب والمصاهرة، فقد كانت بالنسبة للإخوان مرتقى صعب.
أضف إلى أن وضع النساء في البيت الميرغني من حيث الحركة والتداخل مع المجتمع عكس مجتمعات الأنصار وآل المهدي التي أعطتها دوراً متقدماً، وهو أمر يجعلنا نضع هنا السيد عبدالرحمن المهدي في دور طليعي ومتقدم وأحد رواد الإستنارة فيما يتعلق بوضع المرأة في السودان.
وعلى الرغم من محاولات الإسلاميين القيام بمحاولة ترميم طبقي يساهم في إلحاقهم بذاكرة وتاريخ المراكز الطبقية والدينية والعشائرية في السودان، لكنهم فشلوا تماماً في أن يكونوا جزءاً من التاريخ الإجتماعي أو أن يصنعوا لهم ذاكرة مؤسسة على نشأة قديمة تستطيع أن تخفي الجذور الإجتماعية التي إنحدروا منها، خصوصاً بعد القفزات الكبيرة التي قاموا بها في التحول لموقع الثروة والمال.
فكان من الطريف جداً أن يؤسسوا لأماكن جديدة تخص حضورهم الإجتماعي، فبدلاً من المزارات القديمة لأندية الخيل والتنس وأندية الخرطوم العتيقة التي تشكل المجال الإجتماعي لذاكرة مجتمع الطبقات المدينية في المدينة، سَعَوا أن تكون أماكنهم الجديدة خاصة، ولكن هذه المرة (مساجد): سيدة سنهوري، والشهيد، ومسجد النور، بمعنى أنهم حولوا المساجد لأماكن اجتماع ديني / طبقي لإظهار الجاه الإجتماعي الجديد.
من الطرائف الأم درمانية قالوا إن الهادي نصرالدين رحمه الله قال بعد إنقلاب الإنقاذ إنو زمان البوليس لمن يطاردك في زمن نميري بتخش ودنوباوي بخليك ويوقف الجري وراك باعتبار أن النميري يسكن في ود نوباوي ويمكن تكون جاره أو قريبه، وحينما جاءت الديمقراطية سيتكرر نفس الأمر لأنك ربما تكون قريب أو جار رئيس الوزراء الصادق المهدي، لكن حين جاءت الإنقاذ وعرف الناس من أين أتى الرئيس الجديد تساءل الهادي نصرالدين بحيرة… هسع حوش بانقا ده يجروا ليها كيف؟
سقطت الإنقاذ ليس لأنها نظام سياسي سيئ فحسب، وإنما لأنها أسست لطبقة بلا ذاكرة تاريخية وإجتماعية لهذه الطبقة.