بقلم: حسن عبد الرضي الشيخ
نقلاً عن شهادات المواطنين والناشطين، من بينهم: صلاح محمد عيسى، ومتطوعون من أمبدة
أنا الآن داخل مقبرة حمد النيل، وقبلها كنت في مستشفى أم درمان. لا أكتب من خيال، بل من قلب الكارثة. الوضع تجاوز كل وصف: الجثث تُسجى بالعشرات، والمستشفى يستقبل حالة حرجة في رأس كل دقيقة. لا توجد نقالات، ولا أكفان، ولا حتى ماء لغسل الأجساد. آخر جثة دُفنت قبل نصف ساعة، كُفّنت في ثوب، فذلك كل ما توفر.
أطلق أحد المتطوعين في أمبدة نداءً يائسًا:
“نحتاج خطوة استباقية. نريد كادرًا مدرّبًا للتعامل مع المصابين، نحتاج أدوية، محاليل، كمامات، قفازات، كفَن.. نريد من ينقذ الخرطوم قبل أن تصبح مقبرة كبيرة.”
“مستشفى أم درمان.. بوابة إلى الموت”
ثمانية أيام قضاها الناشط صلاح محمد عيسى مرابطًا بمستشفى النو. في شهادته، وصف تفاصيل صادمة لا يُمكن السكوت عنها:
“دخلتُ بالطوارئ وأنا أحمل قريبتي في غيبوبة، تستفرغ دمًا. مررنا بجثمان فتاة على الأرض بلا مرافق، استُبيحت حرمة موتها وسط أقدام العابرين! لا نقالات، لا أسرّة، الأرض ملاذ المرضى، والروائح لا تُطاق. الطاقم الطبي منشغل بموبايلاته، والمرضى يفترشون البلاط.”
تتابع الشهادة تفاصيل مأساوية أخرى:
لا يمكن إجراء فحوصات إلا بكاش، والمحاسب يرفض الدفع الإلكتروني.
لا أوكسجين في الطوارئ لأن “الإدارة تمنع ذلك”.
مدير المستشفى نائم، ومدير الطوارئ يبرر تقاعسه بـ”القرارات الإدارية”.
مصنع الأوكسجين يعمل أمام أعين المرضى، لكن الأسطوانات تُباع للخارج بينما الناس تموت.
أحدهم قال:
“كل ما نحتاجه موجود هنا، لكن الإدارة اختارت أن تبيع الهواء، بينما ندفن أحبابنا.”
وبعد تدخل مسؤول نافذ، انقلبت الطوارئ رأسًا على عقب: الأوكسجين توفّر فجأة، والأسِرّة ظهرت، وكأننا كنا في مشهد تمثيلي حتى حضر المخرج!
ختامًا:
هل يعقل أن عامين من الحرب دمّرت كل شيء حتى أخلاقنا؟
هل يحتاج المواطن السوداني إلى “واسطة” ليتنفس؟
هل أصبحت حياة السودانيين صفقة تُدار بمفاتيح النفوذ؟