مع دخول الحرب في السودان مرحلة أكثر خطورة وتدميراً، وعدم رغبة السلطة الفعلية في بورتسودان في إيجاد حل سلمي، يركز المراقبون اهتمامهم على المليشيات الإسلامية المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، حلفاء الجيش، الذين يعتبرونهم المحرضين الحقيقيين للنزاع.
- تهريب الأموال
- قيادة المليشيات
- دعم ثلاثي للإسلاميين
يقدم عدد من المحللين نظرة متعمقة على هذه الجماعات الإسلامية وتحركاتها، خاصة بعد انتشار صور وفيديوهات لدخولهم الخرطوم على متن دبابات الجيش، بالإضافة إلى الجهات الأجنبية التي تمولهم.
تهريب الأموال
يشير أيمن عثمان حسن، عضو القسم الإعلامي في حزب المؤتمر السوداني، إلى تركيا باعتبارها الراعي العالمي الرئيسي لجماعة الإخوان المسلمين. ويذكر أن قادة الحركة الإسلامية في السودان قاموا بنقل أموالهم إلى البنوك التركية، مضيفاً: “الغريب أن أنقرة دولة علمانية جداً تفصل بين الدين والسياسة، مما يدل على أن الأمر مصلحة اقتصادية وليس مبدأً”.
الإسلاميون، باعتبارهم القاعدة الأساسية لعشرات الكتائب والمليشيات المسلحة الداعمة لنظام بورتسودان، منحوا تركيا الوصول إلى موارد البلاد لمواصلة النهب. بعد سقوط النظام الإسلامي بقيادة عمر البشير، تم تهريب مئات الملايين من الدولارات إلى تركيا.
وأعيد استخدام هذه الأموال لتخريب الفترة الانتقالية عبر شركات العلاقات العامة المكلفة بالتلاعب بالرأي العام، بالتعاون مع حلفائهم في الجماعات المسلحة، بمن فيهم رجال مقربون من الجنرال عبد الفتاح البرهان وجهازه الأمني، وفقاً لحسن.
يحذر المحلل السوداني من رعاية تركيا الحالية لمليشيات الإخوان المسلمين، خاصة جماعة “البراء بن مالك”، التي تم تزويدها بطائرات بيرقدار المسيرة، التي لم يتم تسليمها حتى للجيش الموالٍ للبرهان. وهذا يكشف عن اتجاه الصراع السوداني إذا استمرت الحرب دون تغيير.
هناك أيضاً تقارير عن إرسال متطرفين من مليشيا البراء بن مالك إلى السودان لتلقي تدريبات على استخدام الطائرات التركية المسيرة، مما يجعل هذه التكنولوجيا سلاحاً متطوراً للغاية خارج سيطرة جنرالات البرهان. بالإضافة إلى ذلك، استهدفت الهجمات الأخيرة على مطار بورتسودان الطائرات التركية المسيرة، وأرسلت بالفعل طائرة إخلاء لإنقاذ الفريق التركي الفني الذي كان يدرب المليشيات.
يخشى حسن من تطور الأوضاع حتى تصل جماعة الإخوان المسلمين إلى السيطرة الكاملة على هياكل النظام في بورتسودان، مما سيدفع البلاد إلى كارثة شاملة.
دعم ثلاثي للإخوان
لم ينس الشعب السوداني اللحظة التي ظهر فيها المصباح أبو زيد طلحة، قائد مليشيا البراء بن مالك المتطرفة، أمام السفارة القطرية في الخرطوم مارس الماضي، مرحباً بدعم الدوحة ومحتفلاً بالسيطرة على العاصمة بمجموعة مسلحة.

تعبر الصحفية السودانية بشرى علي عن دهشتها من الادعاءات بأن مجموعة البرهان توقفت عن تسليح الإسلاميين، بينما أصبح هؤلاء الإسلاميون أنفسهم الجناح المسلح لنظام بورتسودان ويسيطرون على قرار استمرار الحرب أو إيقافها. حتى الزعيم الديني للحركة الإسلامية، عبد الحي يوسف، صرح علناً: “لا يمكن الوثوق بالبرهان”.
وتوضح الصحفية أن “تركيا وقطر وإيران تسلح الإسلاميين خارج القنوات الرسمية لنظام بورتسودان”، وأن الوحيد الذي يملك خطة للحرب وما بعدها هو قائد مليشيا البراء، المصباح طلحة المذكور. وتستشهد بفيديو يظهر فيه وهو يخطط، معلناً أن مشروعه هو الدفاع عن المظلومين في العالم أجمع، وهو الخطاب نفسه الذي تستخدمه القاعدة.
و”المظلومون” الذين يشير إليهم طلحة هم، وفقاً لبشرى علي، حركات حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، وكلها مدعومة من إيران بالمال والسلاح.
تتذكر بشرى علي مشروع حسن الترابي في التسعينيات، عندما حاول تنفيذ مبادرة مماثلة بتأسيس حزب عالمي اسمه “المؤتمر الشعبي العربي والإسلامي”. وتضيف أن الفرق بين الترابي والمصباح هو أن الأول كان يملك مؤسسات نظام البشير خلفه، بينما يعتمد الثاني على الفراغ الحالي.
كشف المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، في تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست، عن وثائق واتصالات تظهر أن شركة تركية كانت تتاجر سراً بالسلاح مع قوات بورتسودان. وفي سبتمبر الماضي، تم إرسال شحنة سرية من الطائرات المسيرة التركية والصواريخ إلى البرهان.
ووفقاً للتقرير، كان فريق من شركة “بايكار”، أكبر شركة دفاع تركية، موجوداً لضمان نجاح العملية. وبمجرد تفعيل الطائرات المسيرة، بدأت تبادلات الرسائل بين بورتسودان وأنقرة حول الهجمات التي تم تنفيذها، والتي تفصلها الصحيفة على نطاق واسع.
وثقت الوسيلة الإعلامية الأمريكية هذا التبادل غير المعتاد للمعلومات عبر الرسائل النصية والمكالمات الهاتفية والصور ومقاطع الفيديو ووثائق الأسلحة والسجلات المالية. وتم التحقق من بعض هذه المعلومات باستخدام بيانات الهاتف والتجارة والأقمار الصناعية.
تكشف هذه الوثائق، بتفاصيل مذهلة، كيف قامت شركة دفاع تركية قوية بتمويل الحرب الأهلية المدمرة في السودان، التي مستمرة منذ 2023 ووصفتها الأمم المتحدة بأنها أسوأ كارثة إنسانية في العالم.
ويشير التقرير نفسه إلى أنه، وفقاً للعقود وشهادات المستخدم النهائي، أرسلت “بايكار” – وهي شركة يملكها جزئياً صهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان – أسلحة بقيمة 120 مليون دولار على الأقل إلى قوات البرهان العام الماضي، بما في ذلك ثماني طائرات مسيرة من طراز “بيرقدار” ومئات الرؤوس الحربية المتفجرة. وقد أكدت الرسائل ووثائق تتبع الرحلات هذه المعلومات.
تعد “بايكار” المورد الرئيسي للطائرات المسيرة للجيش التركي وأكبر مصدر للدفاع في البلاد. ويمكن للنموذج المتقدم “TB2” أن يحمل أكثر من 300 رطل من المتفجرات ويتم تصنيعه باستخدام العديد من المكونات المصنوعة في الولايات المتحدة.
قيادة المليشيات
يشير الباحث الأمني والدفاعي محمد السني إلى أن مليشيا البراء بن مالك يقودها ثلاثة شخصيات من الحركة الإسلامية: أنس عمر، والمصباح أبو زيد طلحة، وحذيفة إسطنبول. لكن عندما اعتقلت قوات الدعم السريع أنس عمر، المحافظ السابق لحزب المؤتمر المنحل في الخرطوم، في مايو 2023، تولى المصباح أبو زيد قيادة المليشيا.
ووفقاً لشبكة “عين”، تتكون هذه المليشيا من آلاف الشباب والرجال الذين يعملون في شركات خاصة وبنوك وأعمال تجارية، معظمهم ينتمون إلى طبقة وسطى أصبحت ثرية بسبب قربها من النظام السابق، الذي منحهم امتيازات في السنوات الأخيرة، إما مباشرة أو عبر عائلاتهم.
ويوضح السني أن البرهان لا يعتبر هذه المليشيا تهديداً مباشراً، إلا على مستويات معينة. فعندما دعا القوى المدنية للعودة إلى البلاد والاعتذار، نشر قائد البراء بياناً مثيراً للجدل على فيسبوك يتحدى فيه النظام الفعلي في بورتسودان، والذي تراجع عنه لاحقاً استجابةً لمطالب غربية بتشكيل حكومة برئاسة عبد الله حمدوك واستعادة النظام الذي كان قائماً قبل الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر 2021.
تستخدم المليشيا وسائل التواصل الاجتماعي لنشر أخبار عن عملياتها العسكرية ومواقفها السياسية. وغالباً ما تركز منشوراتها على تحركات قائدها المصباح طلحة أبو زيد، بما في ذلك مقاطع فيديو للعمليات العسكرية في الخرطوم ومنطقة الجزيرة، حيث يصدر أوامر مباشرة لمقاتليه، الذين يطيعونه بانضباط كبير.