بقلم: فاطمة لقاوة
الإثنين، 12 مايو 2025م
في صباحٍ حمل ريح الموت ورائحة الحطب المحترق، استيقظت مدينة الخوي، قلب كردفان النابض، على واحدة من أبشع الجرائم التي هزّت الضمير الإنساني.
لم تكن القوات التي اجتاحت المدينة قوات نجدة، بل كانت جيوش قتلٍ منظّم، مكوّنة من وحدات الجيش السوداني مدعومة بمرتزقة مناوي وجبريل، فيما سُمّي زورًا بالقوات “المشتركة”. لم يأتوا لحماية المدينة، بل لتمزيق أوصالها، ولزرع منطق البطش فوق دماء الأبرياء.
ما حدث لم يكن معركة،لم يكن اشتباكًا،كانت مذبحة.
رجالٌ عُزّل جُمِعوا في الطرقات، نُحروا كما تُنحر البهائم، قُطعت رؤوسهم في مشاهد تعجز اللغة عن وصفها، وتتصدع لها القلوب.
نساءٌ صُفعن بأحذية الجنود.
أطفالٌ شرّدوا تحت وابل الرصاص وصرخات الثكالى.
المدينة بأكملها تحوّلت إلى مسرحٍ للرعب، جريمة مكتملة الأركان، تمّت بتخطيط وتواطؤ، وبإشارة من أصابعٍ لا تزال تقطر دمًا.
ولم يكن هذا القتل عبثًا أو عشوائيًا. كانت هناك رسالة:
حين ذبح عبد الفتاح البرهان بطيخة أمام جنوده، لم يكن ذلك استعراضًا عبثيًا، بل رمزية دموية أراد بها إيصال أن قتل الأبرياء لن يكون أصعب من شق ثمرةٍ صيفية.
هذه ليست مجرد مجزرة.
إنه تطهير عرقي جهوي ممنهج، وعقاب جماعي لشعبٍ رفض الخنوع.
إنه إرهاب دولة، تمارسه السلطة ضد مواطنيها، وتستأسد فيه على الضعفاء، بينما تغضّ الأطراف الدولية الطرف، كما فعلت مرارًا مع مذابح دارفور وكجبار وبورتسودان وغيرها.
أين العالم؟
أين العدالة؟
هل تُدفن الخوي كما دُفنت قبلها المدن المنكوبة في هذا الوطن؟
العدالة لن تأتي من صمت العالم، بل من أصوات من لم يقتل، ولم يرضَ بالقتل.
من نقل الحقيقة، من صرخ، من كتب، من وقف في وجه الطغاة ولو بكلمة.
الخوي ليست النهاية، لكنها لعنة البداية.
ستظل دماؤها تطارد القتلة، وتفتح أبواب الحساب.
ومهما اشتد الطغيان، فإن نهايتهم لن تكون أقل بشاعة من نهاية هكس باشا، الذي جاء مستعليًا على أهل السودان، فدفنته الأرض التي ظنها أرضًا سائبة.
ولنا عودة بإذن الله.