علي أحمد
لله درك يا بلد، حين تعصف بك السفاهة وتزدهر بين جنباتك سيرة السفهاء والأنذال. فمنذ أن جُيء بعبد الفتاح البرهان قائداً للجيش، تمددت “قلة الأدب” واتسعت حدود البذاءة، وشاعت الفاحشة بين الناس، وأصبح الفاسد اللئيم والفاحش البذيء والتافه الحقير نجوماً تتلألأ في سماء المجتمع، بينما انزوى المثقفون والأدباء والمفكرون والفنانون الملتزمون والصحافيون المهنيون (الشُطار).
إنه عهد البرهان وعصر التفاهة في أبهى تجلياته وأقسى صوره.
تحتفي سلطة السفاهة والتفاهة في بورتسودان بكل ما هو حقير، صفيق وتافه، بالصحفيين والصحفيات ذوي وذوات القدرات النحيفة والمتدنية، والمرتشين من خلال تطبيق (بنكك)، وتحتفل بالأغبياء والغبيات والعاهرين والعاهرات – عهر الموقف والكلمة والجسد أيضاً- وبالجهلة والمجانين، من لدن؛ مناوي والتوم هجو والجاكومي وشيبة ضرار والمنتقب الآخر، بجانب رشان وعشة وندى وميادة… إلخ.
أي قيادة هذه التي تبعد المثقفين والأدباء، وتقرّب الحقراء والعاهرات؟! أي قائد هذا الذي يزور منطقة كـ”الدندر” التي تضم خبراء الإدارة والتنمية، والأساتذة والأدباء وأطواد الأرض، فيتركهم جميعاً، ويحتفي ويكرم العجوز السفيه، فاحش الكلام، بذيء اللسان، حماد عبد الله حماد، الذي لم يكن في الدندر شيئاً مذكوراً حتى زاره من هو مثله سفاهة ومنزلة. وبدا واضحاً حين اللقاء أن هذا العجوز ما هو إلا رذيل وسفيه قومه.
وكان حرياً بالبرهان، لو كان حقاً قائداً وزعيماً، أن يرسله إلى مصحة أو يحجر عليه، فسفاه الشيخ لا حلم بعده، حسنة منه قبل أن يلقى الرجل ربه وهو على قذارة لسانه ويده، لكن البرهان، ولأنه مثله، أكرمه وكرمه، وكرم البذاءة والسفاهة في شخصه، كعنوان للمرحلة المنحطة من حكمه التي تعيشها بلادنا!
كل من عرف عبد الفتاح البرهان من مكان قريب، لابد أنه قد لمس من الوهلة الأولى شغفه بالألفاظ البذيئة والنكات الوقحة الأكثر ابتذالاً، والكلمات النابية، والإيماءات التافهة الحقيرة، فضلاً عن الإشارات الجنسية التي يستوحيها من قاع المدينة وأسافل الناس. ولا أرى فارقاً بينه وبين حمّاد، بل وكما يقول مثلنا السوداني الشعبي السائر: “الرماد كال حماد”، لا بد من القول هنا إن الرماد لم يكل حماد وحده، بل كال كل البلاد!
إن انسجام البرهان مع العجوز الصعلوك حماد وتكريمه له، ليس لأنه قرينه فحسب – والقرين بالمقارن يقتدي – بل إن البرهان هو حماد نفسه، متنكراً في هيئة ضابط وقائد للجيش. وقد سبق وأسمعنا (حمادياته) العام الماضي في مدينة “جبيت” بشرق البلاد، حين تلفظ بأبشع الألفاظ تجاه تنسيقية (تقدُّم)، ونطق لفظاً مقروناً بحركة وإشارة في غاية الترذل والبذاءة، التي لا تباريها بذاءة؛ يستحي من نشأ وترعرع في بيوت (الراح) أن ينطق بها في سرّه، فكيف به وهو يفاخر بها علنًا أمام الكاميرات وفي الفضاء العام؟!
ولا شك أن قائدًا يزور ويحتفي بحماد عبد الله حماد، لا بد أنه قد أتى من بيئة ذلك القاع المظلم، ولا يستحق أن يُؤتمن على شرف البلاد وأمنها.
إنه عصر الانحطاط الذي وضع هذا السفيه المنحط فكريًا وأخلاقيًا على رأس جيشنا، فأشعل الحرب، وأراق شرفنا، وأهدر كرامتنا وسمعتنا، ومسح بسيادة البلاد الأرض، وهو يتسول السلاح لقتل شعبه ويكرم ويفتخر بالسفهاء والأنذال والصعاليك، بينما نرى رؤساء وملوك وحكومات العالم من حولنا تكرم علماءها وأدباءها ومفكريها وفلاسفتها ومبدعيها.
إن من أوصل شعبنا وبلادنا إلى هذا الدرك السحيق، بإشعاله هذه الحرب وإصراره البليد على الاستمرار فيها وتدميرها وتسويتها بالأرض، لا يُرجى منه إلا (حمادًا)، وكفى بالله وكيلاً.
