شهدت البشرية عبر تاريخها الطويل حروباً عديدة ،كانت فيما مضى تجري أحداثها دون أن يتبلور لها معنى سياسي نتيجة غياب الدولة التي لم تكن قد ظهرت بعد ، بمفهومها المعاصر حيث تجذرت هياكل السلطة وادوارها لإدارة شؤون منطقة جغرافية وهي تجسد صلاحية الحكم القائمة شرعيتها السياسية من تمثيلها لأمة او قومية مستقلة ذات سيادة ، وهكذا أخيراً بعد أن تبلورت الدولة أصبحت النزاعات الداخلية المسلحة تندرج تحت مسمى الحرب الأهلية وهي عادة ما تنتج بفعل الدولة وإنحيازها لمصالح قومية او منطقة دون الأخرى .
كان من أسباب قيام الحرب في السودان قبيل او بعد خروج المستعمر ، إثر تمرد مجموعة من أبناء جنوب السودان ضد السلطة المركزية والبلاد كانت تشهد مخاض كان يمكن تفادي ذلك ، ولكن خروج المستعمر وتسليم السلطة لبقاياه في الداخل من الأتراك والإنجليز ليديروا الدولة عن طريق الوكالة لطالما هؤلاء هم من احتضنوا وساندوا المستعمر في غزو معظم مناطق السودان ، حتى أن الجيش الغازي كانت معه كتائب عسكرية من مناطق ينتمي إليها الجنرال البرهان جينياً وجغرافياً ، بالجانب المقابل كان أحفاد التعايشي يحملون السيوف ويتصدون للإحتلال ، وكان النائب دبكة حينها يرسم ويسطر ملامح ومطالب السودان الجديد وأن السودان للسودانيين وما أشبه الليلة بالبارحة .
إن الحرب التي شنتها الحركة الإسلامية ومن خلفها آيادي ومخالب بقايا الفِرنج الذين يتدثرون برداء القوات المسلحة منذ التكوين وحتى الآن ، وهذه الحرب ليست ضد الدع…م السريع فحسب بل كانت رداً متوقعاً وعقاب طبيعياً لدعاة التغيير والتحرير وبات الدع…م السريع هو المارد الذي استيقظ على أثره الجميع ، بل إنحدار هذه الحرب المتسارع كشف لنا عن غايتها المراد تحقيقها وهي إبادة مجتمعات دارفور وكردفان او التخلص عن الجغرافية بأكملها لطالما هذه المجموعة أصبحت العائق الأوحد لإستمرار حفدة المصريين في الحكم ، وهذه المجتمعات هي التي عانت من ويلات الحروب ردحاً من الزمان ، والمخزي حقيقة حقيقة هو أن ينحدر جنرالات جيش الحركة الإسلامية لمستنقع العنصرية الآثن متناسين حملة الأباريق الذين يحرسونهم كل ذلك لأجل الدفاع والحفاظ على مصالح ومكتسبات زائفة لمجموعات الإمتياز التاريخي التي يربطها حبل سري واحد مع جنرالات جيش الغفلة ، كما أن جيش البازنقر والحلب له نصيب او كفل في جميع الإنتهاكات و الإبادات الجماعية والتهجير القسري الذي طال الشعوب السودانية على مدى عمر الحكومات الوطنية وهو يستدعي ضرورة بنائه وتأسيسه من جديد وتحريره من قيادة بقايا الأتراك والإنجليز إلى قيادة سودانية تضع نُصب أعينها المواطن السوداني مع إختلاف تنوعه وتعدده الإجتماعي والثقافي .
ليست صدفة او غريب أن نسمع تصريحات حفيد اولاد فوزية الجنرال البرهان في قناة الحدث وهو يصرخ في زعمه بالقضاء على مجتمعات الدع….م السريع لطالما هو الذي صدر على يده قانون الوجوه الغريبة والقتل الممنهج والدمار على أساس اللون او العرق او الجغرافية في حربهم القذرة التي عادت للذاكرة السودانية بطش المستعمر وطريقته الوحشية التي تعرض لها الشعب السوداني الحر الذي رفض الإنصياع والخنوع حتى قالها المقدوم مسلم في وقتها (لا يغرنك إنتصارك على الجعليين والشايقية فنحن الملوك وهم الرعية اما دارفور وكردفان محروسة برجال مستعدين للموت بكرة وعشيا ) ، كما قالها الجنرال حميدتي إسطورة الإرادة الحرة عند ما قال (هؤلاء الأشبال سيقاتلونكم جيل بعد جيل ) ، وهنا كان لقيادة الجيش طريقان إما الإنحناء للعاصفة او إشعال حرب لتطبيق نظرية الأرض المحروقة وللأسف هذا ما حدث في سبيل الإفلات من العقاب والحفاظ إمتيازات تاريخية زائفة وباطلة لبقايا الفِرنجة .
غير ذلك كله لا يعني ذلك بأن مجتمعات الهامش لا تعي الدرس هي كانت تقاومه رغم التفاوت في كل شيء ولكن هذه الشعوب كانت مؤمنة بأن الظلام لا يدوم طويلاً وأن الضوء مهما كانت مدة غيابه فهو آتٍ لا مُحال ولن يدوم حكم الطغاة ، لذلك عند ما جاءت الفرصة التاريخية وسانحة التغيير رأيناهم يتدافعون نحو نيروبي لتشكيل تحالف سياسي سوداني جديد يختلف عن كل الأندية السياسية التي شهدتها الساحة السياسية السودانية لإرساء دعائم حكومة السلام لتحاصر أحلام النخبة وتصادر بندقيتها التي تستخدمها لتركيع الآخر ، وهاهي تكسرت أصنامهم على يد أشبال كان شعارهم إتنين بس عازمين ومصممين لتسليم السلطة للسودانيين لإعادة توزيع الثروة والسلطة للجميع دون مفاضلة او أدنى تمييز لأحد على آخر .
إن حكم بقايا الإستعمار آخذ في الأفول حاله حال سيدنا سليمان فهو مات بالتأكيد ولكنه يتكأ على عصاه حتى ظهرت دابة الأرض ، فالعصاة التي تتكأ عليها النخبة هي القوات المسلحة ودابة الأرض هو الدع…م السريع الذي أخبرنا أن إسطورة الجيش هي نمر من ورق وأن مسيرة التحرير مستمرة وعلى كافة المستويات بما يسهم في تحقيق تطلعات الملايين وتاريخهم الطويل من النضال التحرري الباسل وتعزيز قدرته على الصمود ومقاومة الإستبداد وتحرير السودانيين من بقايا الأتراك والإنجليز وإلى الأبد بلا رجعة .
بقلم :-محمود مجدي موسى الجدي
الثلاثاء :-الموافق 2025/4/29م .