الاثنين 2025/04/28
في مشهد الحرب السودانية المعقد يقف مني أركو مناوي على رمال متحركة من التحالفات المؤقتة والحسابات الحذرة، يتنقل بينها بحذر بالغ، متلمسا طريقه في جغرافيا سياسية تمور بالصراعات والمكائد.
حليف ظرفي:
ولولا تدخل مناوي وقواته، لربما كانت بورتسودان ومدن الشمال الأخرى قد سقطت في يد الدعم السريع، وهو ما يفسر – ولو جزئيا – السماح له بتوسيع نفوذه في الإقليم، ولو إلى حين. فالجيش، في لحظة من لحظات ضعفه، اضطر إلى الاستعانة بمن كان يصنف سابقا ضمن خانة “التهديد”، وها هو اليوم يتحول إلى “حليف ظرفي” تؤمّل عليه السلطة المركزية تحقيق التوازن العسكري، دون أن تكون قادرة على ضمان استمرارية هذا التحالف أو حتى على تأمينه من الغدر الداخلي.
مصير مناوي:
مناوي الذي قاتل من أجل البقاء السياسي قد يجد نفسه في مرمى نيران “الحلفاء”، فالمؤسسة التي تخلت عن المواطنين لن تتورع عن التضحية بأحد قادتها العسكريين إن اقتضت مصالحها ذلك
الحركة الإسلامية والجيش:
الواقع أن الحركة الإسلامية – وهي التي تمسك بخيوط كثيرة داخل مؤسسة الجيش – لا تنظر بعين الرضا إلى صعود مناوي ولا إلى محاولاته للعب دور محوري في توازن القوى. فالتاريخ عند الإسلاميين ليس إلا سلسلة من الإزاحات المتكررة لكل من يقف في طريق مشروعهم للتمكين، ومآلات خليل إبراهيم وجون قرنق ليست سوى شواهد دامغة على قدرة هذه الحركة على التصفية المعنوية والجسدية، دون أن يطرف لها جفن.
إطالة امد الحرب:
إن تحركات الحركة الإسلامية اليوم توحي بأنها تسعى إلى إطالة أمد الحرب في دارفور، ليس فقط بهدف إنهاك الدعم السريع، بل أيضا لترتيب صفوفها في الشمال، حيث تعوّل على إعادة إنتاج سلطتها التاريخية من بوابة التعبئة القبلية والدينية، وهي الوصفة ذاتها التي أفضت إلى سنوات الدم والخراب. وهنا، يصبح مناوي – بكل ما يمثله من طموح قومي ورغبة في الخروج من القوقعة الجغرافية – عقبة مزعجة، يُخشى أن يتم تدبير خروجه من المشهد عبر سيناريوهات مألوفة في قاموس الإسلاميين.
سيناريو الغدر والتصفية:
إن مصير مناوي – أيّا كان – لن يكون نهاية الحكاية، بل بداية فصل جديد من فصول صراع السلطة والهوية في السودان، صراع لم يعد يحتمل المزيد من الغدر والتصفية، بقدر ما يحتاج إلى شجاعة التفاهم وتجاوز سرديات التخوين والتخويف. فالمعادلة السياسية في السودان لا تستقيم إذا ظلت قائمة على منطق الإقصاء والقتل الرمزي أو المادي، بل لا بد لها من عقل جديد، يتجاوز منطق الحرب إلى منطق الدولة.
د. عبدالمنعم همت