بسم الله الرحمن الرحيم
صراع المركز والهامش في السودان: دلالات حسم معركة الفاشر
د.جودات الشريف حامد
باحث بالمركزالأفريقي للديمقراطية و التنمية
على عكس ما تُحاول النخب المركزية و(الفلول والفلنقايات) ممارسته من تبسيط مُخل لِما يجري في الفاشر من معارك ودلالاته والتقليل من تأثيراته الحتمية على الأزمة السودانية برمتها، إلا أنه يبدو جلياً أن معركة الفاشر ليست مجرد جولة من جولات الحرب التي دارت و تدور بين قوات -الدعم- السريع من جهة، والجيش وتحالفاته ومليشياته من جهة أخرى. الفاشر ليست مدينة عادية في جغرافيا سودان الهامش المنسي؛ بل إنها عاصمة سلطنة دارفور التاريخية، مهد السيادة والإرادة والقيادة و الريادة،فها هي اليوم تستعيد دورها كقلب نابض لتحولات كبرى مرتقبة- تمتد من غرب البلاد إلى عمق السودان.
هذه المعركة-أي معركة الفاشر تتجاوز الأبعاد العسكرية التقليدية لأي معركة-هي بمثابة معركة كسر العظام و عض الأنامل، التي تعبّر فيما تُعبر عن نهاية مرحلة وبداية أخرى. إنها ستحرر شهادة وفاة سودان النخب المركزية الظالمة، وستُعلن ميلاد و بزوغ فجر سودان الهامش؛ سودان جديد يُعاد بناؤه على أنقاض دولة المركز المتغطرسة، تلك الدولة التي (قنجرت) بالوطن لعقود ودفعت به نحو الهاوية.إن كافة المعطيات على الأرض و قرائن تحليل عناصر المعركة هناك, تؤكد أن الحسم بات قريبًا و لصالح الدعم السريع، فإن اليد العليا و الأفضلية المطلقة لقوات الدعم السريع والتي تمكنت بإقتدار من إغلاق كافة المداخل المؤدية إلى المدينة،و محاصرة قوات الجيش و المشتركة في حيز جغرافي ضيق قد شلّ حركتهم بالكامل. إن حسم قوات-الدعم-السريع لأمر الفاشر، سوف لن يكون نصرًا عسكريًا فحسب، بل سيكون نصرًا سياسيًا يعيد للهامش العريض إعتباره، ويثبت أن من يملك الميدان يمتلك المستقبل.فحين تُحسم معركة الفاشر، ستُحسم معها أيضًا شروط إعادة تعريف السودان و صياغة معادلته السياسية,فمن يمتلك زمام المبادرة يمتلك القدرة على فرض شروط التغيير الجذري المُرتجى، وكل من يرفض هذا المنطق العادل سيجد نفسه خارج المعادلة السياسية و الإجتماعية و الاقتصادية يمارس (عياط الحلاقيم الكبيرة)،و يتجرّع مرارة الخسارة، و سيجد نفسه مضطراً للإعتراف أن التاريخ قد تجاوزه و أن فضيلة المساهمة في بناء السودان الجديد قد فاتته و حينها فليتحمل الرافضون للتغيير مغبة و تبعات مقاومتهم لرغبات الإرادة الجامعة للسودانيين وسيدركون حين لا ينفع الإستدراك أن أهل السودان قد كتبوا مستقبلاً جديداً واعداً بقلم تضحياتهم لا بقلم الرافضين للتغيير و الحريصين علي إبقاء جيفة الدولة المركزية الظالمة.من يراهن على إنهاك أو إرباك قوات- الدعم -السريع عبر إطالة أمد المعركة في الفاشر، فعليه أن يستعد للصدمة, فقوات الدعم السريع أثبتت أنها مدرسة في الصبر والصمود و قبول التحدي، وعما قريب سيرى الواهمون أن رهانهم قد تحوّل إلى كابوس يتمثل في انهيار مشروع السودان القديم المهترئ أمام أعينهم و ببنادق الاشاوس ,لأن حسم معركة الفاشر سوف يُمثّل نهاية سيطرة الأقلية النخبوية التي أدمنت وهم الإستعلاء “الفالصو”، و يفتح أفق الأمل لتأسيس سودان جديد بلا مركز متغطرس ولا هامش مسحوق و مُهان.