د. جودات الشريف حامد
باحث في المركز الأفريقي للديمقراطية و التنمية
تستمد حرب 15 أبريل والتي ما زال أوراها مشتعل في محاور عدة من جغرافية الوطن إستثنائيتها من كونها حرباََ غُدر فيها بقوات- الدعم- السريع في مقارها و ثكناتها و معسكراتها من قِبل الجيش و الفلول, فأُذِنَ فيها للدعم السريع ديناََ وعرفاََ و بما تقره المواثيق و المعاهدات الدولية أن يُدافع عن نفسه, فأنتفض ليحمي كيانه الإعتباري و يُسقط معبد الفلول و النخب الظالمة(الخرطوم) الذي بُنيت علي جماجم الفقراء و المهمشين و توطين الوهم و الجهل و المرض كأنه قدر الهامش وحده و خداع الناس بنمطية الخرطوم هي السودان وهي الرمز المقدس و أن ما سواها من قاطني الهامش هم مجرد تُبع لا يُعتد برأيهم ولا يُسمع لهم صوت -لكن هذه الحرب قد طرقت أبواب الخرطوم و أقتحمت أسوارها و خلعت عنها لبوس القداسة الكذوب.
إن ما يميز هذه الحرب و يمنحها طابع الإستثناء عن غيرها مما سبقها من حروب السودان و إنتفاضاته هو ذلك الإصرارالطاغي النبيل من الأشاوس و رفاق الهامش الأدنى والأقصى على تحقيق الإنتصار الكامل و كسر قيد الفلول و النخب المركزية التى إستمرأت إستعباد الشعب السوداني و ظلمه و تزييف وعيه الجمعي.
ما يمنح حرب 15 أبريل ميزة عن غيرها هو أنه لم تستطع من قبل أي من حركات النضال المطلبي أن تمثل خطراََ جدياََ بجدران المعبد المقدس “الخرطوم”- أما اليوم فقد دكت سنابك خيول الأشاوس و”لاندكروزاتهم” أسوار خرطوم النخب الظالمة – غير عابئة بصراخهم الذي يكاد (يشرط)حلاقيمهم من الخوف ولا بعويل متشدقي الحياد الذين تعودوا أن يجملوا قبح الماضي بإسم المحافظة علي وحدة الوطن المُدعاة- ما يميز الأشاوس في حربهم هذه- هي قناعتهم و ثقتهم و يقينهم الراسخ بأنهم يقاتلون من أجل وطن جديد يرون إشراقاته في تضحياتهم العظيمة و أرواح شهدائهم الطاهرة وعزائم جرحاهم النبيلة- وطن لا تُقاس فيه قيمة الإنسان بموقعه من النيل أو الخرطوم بل بكرامته التي لا تساوم.
إن أشاوس قوات-الدعم- السريع و هم يخوضون معركتهم الإستثنائية هذه من أجل معالجة جذرية لنكبات السودان الكبرى و أزماته المتجذرة التي تبدأ من فشل نخبه المركزية. فمنذ لحظة الإستقلال الإفتراضي المزعوم لم تسمح هذه النخب بقيام مشروع وطني جامع لأنها في حقيقتها تمثل أقلية إنتهازية إختارها الإستعمار لتكون وكيلاً عنه بعد رحيله. إحتكرت السلطة و الثروة و صادرت مصائر و مستقبل الوطن و إحتقرت فيه شعوب الهامش فظلمتهم و نهبت خيرات أقاليمهم من خلال تواطؤ مدني -عسكري طوال هذه الحقب التي ناهزت السبعين عاماَََ- صاغوا من خلال سنواتها العجاف سوداناََ مشوهاََ و مصطنعاً على مقاسهم تستأثر فيه هذه القلة الغريبة الأطوار بالقرار و تحتكر رمزية قومية زائفة و تافهة إتخذتها مطية فأقصت كافة شعوب الهامش من معادلة الدولة.
إن ما يضفي الميز الإسثنائية لهذه الحرب التي يتولى قيادة معاركها الأشاوس و غيرهم من رفاق مشروع التغيير الجذري إنها حرب طامحة و غاياتها جامحة لا تتوقف عند تحقيق الإنتصار الكاسح على الجيش النخبوي وفلوله و نخبهم المتماهية معهم- بل تتجاوز ذلك إلى دك قداسة النخب و تحطيم رمزيات الأمكنة و آرية الأجنسة التي كانت تقدس كانها مقدرات أبدية في حين أنها لم تكن سوى واجهات لسلطة مغتصبة و إستعلاء متوهم.