علي أحمد
لا تكن مثل (أمجد فريد)، فيصيبك سخط من الناس وتُصيبك لعنتهم، فالرجل الذي تسلل إلى المرحلة الانتقالية حين غِرَّةٍ وغفلة، أصبح الآن بوقًا يُصدر أنغامًا نشازًا يتغنّى بها للاستبداد والفساد والعسكر والفتلة، دون أن يرف له جفن.
لا تكن مثله ملكيًّا أكثر من الملك، و(بلبوسًا) أكثر من الكيزان والانتهازيين من متهافتي اليسار الثقافي، والجزافي، والجذري، ومن (خموم) حركات الارتزاق المرتشية المسلحة، فهذا الأخرق تفوّق على أقرانه وبَزَّ نظراءه في التقرّب زُلفى إلى الطغمة العسكرية الهاربة إلى بورتسودان.
ففي لقاء له مع بودكاست (مع عزّام)، بلغ تزلّفه للبرهان وطغمته مبلغًا بئيسًا ومُخجلاً ومأساويًّا؛ إذ قال إنّ “اعتصام القيادة العامة فضّته قوات الدعم السريع وأفراد من الجيش”، يريد تبرئة عصابة بورتسودان من دماء شهداء الثورة بكلمة واحدة: (أفراد)! فيا للغباء والرعونة.
قبل أن نستأنف مرافعتنا ومنافحتنا، علينا أن نلقي نظرة على خلفية (أمجد) هذا، ولماذا أَسْفَرَ عن سوء أخلاق وتربية ونقصان مبادئ وقيم، فبرع في التهافت والكذب والتدليس والتطفيف، بما يبدو سلوكًا أصيلًا في شخصيته، ناتجًا عن خللٍ ما في أسلوب تربيته، وليس سلوكًا طارئًا جراء المترتبات النفسية للحرب؛ حتى نعذره.
نشأ هذا (الوليد العاق) في كنف ضابط أمن في نظام جعفر نميري، فوالده هو ضابط الأمن السابق (فريد إدريس) الذي تدرج حتى وصل منصب مدير أمن مناوب لمديرية الخرطوم. ومعلوم لدى الجميع كيف كان سلوك ضباط جهاز الأمن في ذلك العهد المظلم، حيث حوّل نظام مايو هذا الجهاز المعلوماتي إلى أداة للتجسس والقمع والتعذيب والاعتقالات والابتزاز والتهديد والقتل، لكل من يُبدي ضيقًا وتذمرًا من النظام الاستبدادي.
ولن يكون (فريد إدريس) والد (أمجد) استثناءً بطبيعة الحال، بل ما يدل على عكس ذلك، هي أخلاق وسلوك ابنه، فهذا (الجرو من ذاك الكلب)، لا شك.
أكثر من ذلك، فإن عمه، شقيق والده، هو (كامل إدريس)، مرشح الضرورة في جميع الحكومات المستبدة. وكامل هذا معروف لدى السودانيين وغيرهم بالتزوير والفساد، وله فضائح في ذلك سارت بها الركبان ولا تزال، إبان شغله منصب المدير العام للمنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO – وايبو) التابعة للأمم المتحدة.
في عام 2006، تقدم كامل إدريس، عن طريق محاميه، بطلب للسلطات السويسرية لتصحيح تاريخ ميلاده، ليكون 26 أغسطس 1954 بدلاً من 26 أغسطس 1945، باعتباره خطأً مطبعيًّا حدث عند تقديمه لأول وظيفة له بالمنظمة في العام 1982، وقدّم شهادة ميلاد سودانية – مزوّرة – بتاريخ ميلاده الجديد 26/8/1954.
انتبهت السلطات السويسرية لذلك، وشكلت مجلس تحقيق بتهمة تقديم معلومات مزورة، وقد أظهر التحقيق – نقلًا عن وكالة (أسوشيتد برس) – أن الرجل أُعطي تاريخ ميلاد كاذبًا ليبدو أصغر من عمره الحقيقي بنحو عشر سنوات، من أجل مواصلة العمل والحصول على امتيازات لا يستحقها.
لم يكتفِ التحقيق بذلك، بل اكتشف أمورًا أخرى، على رأسها أن (كامل إدريس) عم (أمجد فريد إدريس) قدّم معلومات غير صحيحة عن تاريخه المهني وشهاداته الجامعية قبل الانضمام إلى الأمم المتحدة في العام 1982، للحصول على الوظيفة، حيث أفادت الناطقة باسم جامعة أوهايو، السيدة جيسيكا ستارك، لجنة التحقيق بأن كامل إدريس درس في الجامعة من 12 سبتمبر 1976 حتى 10 يونيو 1978، وحصل على درجة ماجستير الآداب في الدراسات الأفريقية، وليس القانون الدولي كما ذكر في سيرته الذاتية.
هذا بجانب العديد من المخازي التي أَشَنَّ بها المزور المطرود عم (أمجد فريد) سمعة السودان والسودانيين، ومرمط أخلاقهم في الوحل الأممي، وهم المعروفون دومًا بتفوّقهم المهني والأخلاقي داخل المنظمات الأممية، فيا لها من عائلة (فريدة) فعلًا.
أمر آخر، لا يعرفه كثيرون، وهو أن والدة أمجد فريد، واسمها (صديقة المادح)، – وهي قريبة الكوز ضابط الأمن الحالي اللواء الشاذلي المادح، المعروف بجرائمه وسمعته السيئة في تعذيب المعتقلين – وقد ظلّت تعمل مستشارة في النيابة العامة في عهد الكيزان، وهي نفسها “كوزة” كاملة الأوصاف.
ولأنها سليلة هذه العائلة المراوغة والانتهازية، وابنة هذه البيئة المتعفنة، تمكّنت من التسلل إلى الثورة بطريقة ما، واستطاعت الوصول إلى أحمد ربيع – وهو أيضًا وضيع كان مزروعًا أمنيًّا داخل قوى الثورة – فرشّحت له عضوة مجلس السيادة عن الطائفة القبطية (نيكولا عبد المسيح)، لو تذكرونها.
هذه الـ”نيكولا” كانت إحدى المشارِكات في انقلاب 25 أكتوبر 2021، حيث أيدت وساندت العسكر ضد الحكومة المدنية الانتقالية، وقلبت ظهر المجن للقوى الديمقراطية.
إنها صديقة مثالية لأسرة أمجد فريد.
في هذه البيئة الأمنية، التزويرية، الكيزانية، الانتهازية، نشأ وترعرع وتربى أمجد فريد؛ لذلك فإن الحقارة والنذالة وصلت به إلى أن يقبل أن يُطلق عليه لقب (دكتور)، وهو ليس كذلك، وإن كان قد تخرّج في كلية الطب، جامعة الكوز (مأمون حميدة) – وهي جامعة ذات تصنيف متردي، سهلة المنال لكل ابن أسرة فاسدة أو ميسورة – لكنه لم يُمارس الطب يومًا واحدًا، وإنما استبدل تخصصه، حيث نال الماجستير في حقل آخر غير الطب، بطريقة غاية في الانتهازية استغلّ فيها والدة زوجته السابقة – طليقته – للحصول على المنحة الدراسية!
أكثر من ذلك، أنه أطلق على نفسه لقب “مستشار رئيس وزراء حكومة الثورة الدكتور عبد الله حمدوك”، فيما يعلم الجميع أنه لم يشغل هذه الوظيفة أبدًا، بل عمل موظفًا في مكتب الشيخ خضر (كبير موظفي مكتب رئيس الوزراء) – والشيخ هذا كان كعب أخيل حكومة الثورة النظيفة الذي تسللت عبره كل ضربات الخسة والخيانة، وربما سنعود له بالتفصيل يومًا ما.
ولا ننسى قصة أمجد هذا مع طليقته “البلبوسة”، بنت الشيوعي الفاضل الراحل فاروق كدودة، التي نشرتها الصحف، وترتبت عليها جرائم مثل الضرب والاختطاف والإخفاء. كما أنه اُشتهر بضرب والدته (الأمنجية الكوزة).
لذلك فليس عجبًا أن نراه يبرّئ الجيش من مجزرة فضّ الاعتصام، رغم أن الجيش نفسه اعترف – على لسان عضو المجلس العسكري الانتقالي حينها، ونائب قائد الجيش حاليًّا الفريق أول شمس الدين الكباشي – بتخطيط وتنفيذ المذبحة، وعبارته الشهيرة (حدث ما حدث) ما تزال محفورة في الذاكرة.
لكنه أمجد فريد، ابن تلك البيئة القذرة، لا يتورع عن تزييف الحقائق والعمالة والارتزاق والانتهازية، ولولا ذلك، لما كان ابنًا مثاليًّا لهذه العائلة.