✍🏾سارا مالك السعيد
جاء مقال أماني الطويل حول حكومة السلام والوحدة في السودان محمّلًا بعدد من المغالطات التحليلية التي تعكس انحيازًا واضحًا لرواية السلطة القائمة، متجاهلًا حقائق جوهرية حول طبيعة الأزمة وتعقيداتها السياسية والاجتماعية. وبينما تحاول الكاتبة تصوير المشهد وكأنه مجرد صراع عرقي وقبلي، فإن هذا الطرح التبسيطي لا يخدم سوى تأجيج الانقسامات، ويغفل الديناميكيات السياسية والاقتصادية العميقة التي دفعت السودان إلى هذه المرحلة
حكومة السلام والوحدة: شرعية سياسية في مواجهة سلطة الأمر الواقع
منذ بداية المقال، قدمت اماني الطويل حكومة التاسيس على أنها تعبير عن “الانقسام القبلي والعرقي”، متجاهلة أن هذه الحكومة تمثل استجابة طبيعية لحالة الانسداد السياسي والانقلاب على المسار الديمقراطي. إن تجاهل شرعية الحكومة الموازية لا يعكس سوى تبنّي الرواية الرسمية التي تحاول تصوير أي تحرك سياسي خارج سيطرة السلطة القائمة على أنه تمرد فوضوي. في الواقع، الحكومة الموازية تمثل خيارًا سياسيًا مشروعًا يسعى لإعادة التوازن إلى المشهد السوداني وإيقاف التفرد بالسلطة.
تجاهل الطويل لهذه الشرعية يثير تساؤلات حول مدى التزامها بتحليل المشهد السوداني بموضوعية، خاصة أن الحكومة الموازية جاءت نتيجة توافق سياسي واسع بين قوى سياسية واجتماعية، وليست مجرد تحرك عشوائي كما تحاول تصويره.
ازدواجية المعايير في تقييم التحالفات السياسية
تدّع اماني الطويل أن التحالفات داخل الحكومة الموازية مؤقتة وتقوم على المصالح والصفقات المالية، بينما تتغافل عن حقيقة أن هذا ينطبق أيضًا على مختلف التحالفات السياسية في السودان، بما فيها تلك الداعمة للحكومة التي يقودها البرهان. فلماذا يتم تصوير التحالفات التي يقودها الدعم السريع على أنها مشبوهة، بينما يُنظر إلى التحالفات التي دعمت الانقلاب العسكري على أنها تحالفات وطنية؟ هذه الازدواجية تكشف التحيز الواضح في قراءة المشهد السياسي.
إن التحالفات السياسية في السودان – سواء داخل الحكومة الموازية أو خارجها – تحكمها المصالح الاستراتيجية للقوى الفاعلة، ولا يمكن اختزالها في مجرد صفقات مالية كما تروج الطويل ، خاصة أن الحكومة الموازية تستند إلى قاعدة اجتماعية وسياسية حقيقية، وليست مجرد تجمع مؤقت.
الاعتراف بالدعم السريع كقوة سياسية مشروعة
من أخطر ما ورد في المقال هو محاولته إقصاء قوات الدعم السريع من المعادلة السياسية، وكأنها مجرد طرف عسكري خارج الشرعية. في الواقع، الدعم السريع ليس مجرد قوة عسكرية، بل فاعل سياسي رئيسي في السودان، وله امتداد اجتماعي وسياسي في مختلف الأقاليم. إن تجاهل هذه الحقيقة ومحاولة تصوير الصراع وكأنه مواجهة بين “الدولة” و”المتمردين” هو تسويق مفضوح لرواية السلطة القائمة، ولا يعكس الواقع الحقيقي الذي يؤكد أن الدعم السريع طرف أساسي في أي تسوية مستقبلية.
وفقًا لتقارير الأمم المتحدة ومنظمة هيومن رايتس ووتش، فإن قوات الدعم السريع ليست مجرد “ميليشيا”، بل قوة منظمة ذات نفوذ سياسي وعسكري، ولها امتدادات عميقة داخل المجتمعات السودانية، وخاصة في دارفور. ولذلك، فإن تجاهلها في أي تسوية سياسية قادمة ليس خيارًا واقعيًا.
الدور المصري وسيناريو التقسيم
رغم أن مصر تعلن رسميًا دعمها لوحدة السودان، فإن سياساتها الفعلية تثير تساؤلات حول مدى التزامها بهذا المبدأ. فبدلًا من تبني موقف متوازن يعزز الحل السياسي الشامل، تبدو القاهرة وكأنها تراهن على طرف واحد في الأزمة، مما يساهم في إطالة أمد الصراع. وإذا استمر هذا النهج، فإن النتيجة الطبيعية ستكون مزيدًا من التآكل في وحدة السودان، مما قد يؤدي إلى تقسيم فعلي للدولة، سواء كان ذلك هدفًا مباشرًا للسياسة المصرية أو نتيجة غير مقصودة لتوجهاتها الحالية.
تقارير متعددة، من بينها دراسات معهد “تشاتام هاوس” البريطاني، أشارت إلى أن مصر تنظر إلى السودان من زاوية أمنية بحتة، حيث تفضل التعامل مع سلطة مركزية ضعيفة على أن تواجه سودانًا موحدًا ومستقلًا في قراراته السياسية، خاصة فيما يتعلق بملف مياه النيل وسد النهضة الإثيوبي.
إن تجاهل مصر لقوى فاعلة مثل الحكومة الموازية وقوات الدعم السريع يثير تساؤلات حول ما إذا كانت القاهرة ترى في السودان الموحد تهديدًا لمصالحها، خاصة فيما يتعلق بملف مياه النيل. إن استمرار دعمها لسلطة فقدت شرعيتها قد يعني أنها تفضل التعامل مع كيانات سودانية ضعيفة بدلاً من دولة موحدة ومستقرة يمكن أن تكون أكثر استقلالية في سياساتها الإقليمية.
سيناريوهات كارثية لتبرير استمرار السلطة القائمة
تحاول الكاتبة ترسيخ فكرة أن السودان أمام خيارين لا ثالث لهما: التشظي الكامل أو انفصال دارفور، متجاهلة أن البديل الحقيقي هو الاعتراف بالحكومة الموازية ككيان شرعي والدخول في تسوية سياسية شاملة لا تستثني أحدًا. الترويج لسيناريوهات الرعب لا يخدم سوى تسويق بقاء السلطة الحالية كخيار وحيد، رغم أنها فقدت كل شرعيتها السياسية والأخلاقية.
إن مستقبل السودان لا يمكن أن يُرتهن بسيناريوهات مفتعلة تخدم أطرافًا معينة، بل يجب أن يكون مبنيًا على حل سياسي شامل يعكس الواقع الجديد على الأرض، وليس على أوهام العودة إلى نظام فقد شرعيته تمامًا.
رفض الاعتراف بشرعية حكومة البرهان
تختم اماني الطويل مقالها بالرهان على انتصارات الجيش كمدخل للتسوية السياسية، متجاهلة أن هذا الطرح لا يعني سوى الإمعان في إنكار الواقع. حكومة البرهان لا تمتلك شرعية حقيقية، وإنما تفرض وجودها بقوة السلاح والدعم الخارجي، في حين أن السودان يحتاج إلى مسار سياسي جديد يعكس إرادة جميع السودانيين، وليس فقط إرادة طرف فرض نفسه عبر انقلاب عسكري دموي.
إن الرهان على الحل العسكري هو مجرد استمرار لوهم السيطرة بالقوة، وهو ما أثبت فشله في العديد من الدول التي شهدت صراعات مشابهة، حيث لا يمكن لأي طرف أن يحكم السودان دون توافق سياسي حقيقي يأخذ في الاعتبار جميع الفاعلين على الأرض.
أخيراً:الاعتراف بالحكومة الموازية والدعم السريع كمدخل للحل
إذا كان الهدف من التحليل السياسي هو الوصول إلى رؤية تساعد في حل الأزمة، فإن تجاهل الشرعية السياسية للحكومة الموازية وقوات الدعم السريع ليس سوى محاولة لتزييف الواقع. السودان بحاجة إلى حل سياسي شامل، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا عبر الاعتراف بجميع القوى الفاعلة على الأرض، وليس عبر فرض شرعية زائفة لسلطة لم يعد لها أي مستقبل.
إن المخرج الوحيد من الأزمة السودانية هو تبني حل سياسي واقعي يعترف بحكومة السلام و الوحدة كطرف شرعي وحيد، ويدمج قوات الدعم السريع في أي تسوية مستقبلية، وإلا فإن السودان سيظل عالقًا في دوامة الصراع التي لن تفيد سوى الأطراف التي تتغذى على استمرار الفوضى.
أما مصر، فعليها أن تحدد موقفها بوضوح: إما أن تدعم تسوية سياسية شاملة تضمن وحدة السودان واستقراره، أو تستمر في دعم سلطة فاقدة للشرعية، مما قد يجعلها شريكة في تقسيم السودان، سواء أرادت ذلك أم لا.





