علي أحمد
ما استرعى انتباهي ولفت نظري في جلسة مجلس الأمن الدولي بشأن الوضع في السودان، التي انعقدت أمس الأربعاء، 26 فبراير، هو تصريح المنسق السياسي للبعثة الأمريكية بمجلس الأمن الدولي، جون كيلي. فبعد أن ناشد طرفي الحرب بوقفها، وأكد أن واشنطن تريد استعادة السلام وإنهاء الصراع في السودان، أضاف: “إنه لا يمكن السماح بأن يصبح السودان مجدداً بيئة للإرهاب”، مشيراً إلى أن الحرب الدائرة في السودان كارثية، ومحذراً من أن التصعيد المتواصل يهدد أمن المنطقة.
هذه العبارة موجّهة بوضوح إلى عبد الفتاح البرهان وإلى الميليشيات الإخوانية المتحالفة معه، إذ تؤكد أن واشنطن لن تسمح للحركات الإرهابية بالتمدد في السودان، ناهيك عن العودة إلى السلطة. فعبارة “لا يمكن السماح بأن يصبح السودان مجدداً بيئة للإرهاب”، وخاصة كلمة مجدداً، تشير بوضوح إلى أن السودان كان سابقاً، في عهد حكم الإخوان المسلمين (المؤتمر الوطني)، بيئة حاضنة للإرهاب، وبالتالي لن تسمح الولايات المتحدة بعودتهم إلى السلطة لإعادة إنتاج تلك البيئة الإرهابية.
لا شك أن حديث جون كيلي لم يأتِ من فراغ، بل استند إلى مؤسسات بحثية واستخباراتية تمتلك معلومات دقيقة عن إعادة قائد الجيش للإسلاميين إلى الواجهة، وتسليحهم، والتنازل عن الأسلحة الاستراتيجية للجيش السوداني لصالح الحركة الإسلامية، بما في ذلك سلاح المدفعية والطيران، الذي أصبح بالكامل تحت قبضة الكيزان، الذين شاهد العالم تورط ميليشياتهم الداعشية في عمليات الذبح، وفصل الرؤوس عن الأجساد، وبقر البطون، وأكل الأكباد، وسحل القتلىمن المدنيين العزل، والتمثيل بالجثث، وتزوير الحقائق، ونهب مقدرات البلاد.
العالم الحر، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها في المنطقة (باستثناء مصر)، لن يسمحوا لهذه الفئة الفاسدة والإرهابية بإعادة بناء بيئة إرهابية في السودان، تهدد أمن المنطقة، بما في ذلك الممر المائي الاستراتيجي البحر الأحمر، الذي يسعون إلى استغلاله في لعبة سياسية خطيرة. فعبد الفتاح البرهان وكيزانه، تارة يستدعون روسيا، وتارةً أخرى إيران، في محاولة لابتزاز واشنطن ودول الخليج، وعلى رأسها السعودية، لكسب اعتراف بسلطتهم الانقلابية غير الشرعية في بورتسودان. لكن هذه الأساليب، التي أدت إلى سقوط حكومة سيدهم المخلوع بأمر الشعب، عمر البشير، هي نفسها التي أدخلت السودان في هذا الوضع الكارثي. ومن يعيد التجربة الفاشلة المجربة، فلن يجني إلا الندم والخزي.
التحذير الأمريكي الصريح لقائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، يتلخص في أنه عليه أن يتوقف عن خلق بيئة إرهابية في السودان مجدداً، لأن واشنطن لن تسمح بذلك. هذا التحذير يفتح فصلاً جديداً في العلاقة بين البرهان وميليشيات الإخوان الإرهابية، التي تخطط للإطاحة به، وتعمل بجد من داخل مكتبه وجيشه/هم وجهاز أمنه/هم للقضاء عليه قبل أن يلتقط أنفاسه. ولربما تتغدى به قبل أن يتعشى بها، كما قلت مراراً. لكن هذا الصراع الداخلي لا يعني الشعب السوداني في شيء، بل ربما يكون من الأفضل أن يقطعوه إرباً ويرموا لحمه للكلاب الضالة، حتى تنكشف حقيقة الحرب وتظهر الجهات التي تقودها من وراء الستار بدلاً من مواجهة خيال مآته لا يهش ولا ينش.
ما يهم الشعب السوداني هو إيقاف الحرب، تطبيع الحياة، وعدم السماح للجماعات الإرهابية بالتمدد والانتشار. فالحرب التي أشعلها الإخوان المسلمون، بتواطؤ مع قيادة الجيش وعبد الفتاح البرهان، في 15 أبريل 2023، تسببت – وفقاً لإحاطة مجلس الأمن – في معاناة هائلة، وحوّلت أجزاء من البلاد إلى جحيم، حيث نزح أكثر من 12 مليون شخص، بينهم 3.4 ملايين فروا عبر الحدود، فيما يعاني أكثر من نصف سكان السودان من الجوع الحاد.
لذلك، فإن الإرادة الدولية والإقليمية، إلى جانب إرادة الشعب السوداني والشعوب الحرة، تتفق على ضرورة استعادة السلام، وإنهاء الصراع، ووقف الأعمال العدائية، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، وحماية المدنيين. وهذا لن يتحقق ما لم يتم القضاء على الحركة الإسلامية المجرمة التي صنعت هذه البيئة الإرهابية من أجل العودة إلى السلطة، بتنسيق مع عبد الفتاح البرهان. وبالتالي، فإن المسؤولية الأولى تقع عليه في القضاء عليها، وإلا فإنه سيواجه عزلة دولية متزايدة، وربما تتم الإطاحة به، خاصة وهو الآن في أضعف حالاته، محاطاً بالإرهابيين والمرتزقة والفاسدين.
كما قلت سابقاً، البرهان، بعد أن مكّن الكيزان ليكونوا رافعةً له إلى السلطة كرئيس بدرجة بشير، وجد نفسه اليوم محاطاً بمطاريد يشحذون سكاكينهم لذبحه. وليس أمامه الآن سوى خيارين لا ثالث لهما: إما أن يصبح لحمة لوليمتهم، أو يصبح (جزار)!