سارا مالك السعيد
في كل مرة تتفاقم الأزمة السودانية، يظهر من يروج لفكرة “التقسيم كخيار عقلاني لإنهاء الصراعات”، متجاهلًا أن كل تجارب التقسيم السابقة، سواء في السودان أو غيره، لم تحقق الاستقرار، بل أنتجت كيانات ضعيفة هشة غرقت في الحروب الداخلية.
طرح تقسيم السودان كحل للأزمة الحالية ليس فقط قراءة سطحية للتاريخ، بل هو قفزة في الظلام نحو مستقبل أكثر دموية وفوضوية.
🔴 1- انفصال الجنوب.. الدليل القاطع على فشل التقسيم
يستشهد البعض بانفصال جنوب السودان عام 2011 وكأنه نموذج “ناجح” لحل الصراع، لكن الواقع يثبت العكس تمامًا:
• لم يمضِ عامان على الانفصال حتى اندلعت حرب أهلية بين أبناء الجنوب أنفسهم، مما أدى إلى مقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين.
• الدولة الجديدة لم تحقق الاستقرار، ولم تستطع بناء مؤسسات قادرة على الحكم، بل أصبحت نموذجًا لدولة فاشلة تغرق في النزاعات القبلية والصراعات على السلطة والموارد.
• لو كان الانفصال هو الحل، فلماذا لم يتحقق السلام بعد 13 عامًا؟!
إذن، انفصال الجنوب لم يكن نهاية للصراع، بل مجرد بداية لفصل جديد من الفوضى.
🔴 2- السودان لا يمكن تقسيمه جغرافيًا أو ديمغرافيًا
على عكس جنوب السودان، الذي كانت له حدود واضحة نوعًا ما، فإن تقسيم بقية السودان مستحيل عمليًا للأسباب التالية:
✅ لا توجد حدود واضحة بين المكونات العرقية والثقافية، فالسودان عبارة عن نسيج اجتماعي مترابط، والتقسيم يعني خلق “حدود افتراضية” ستتحول إلى خطوط اشتعال لحروب لا نهاية لها.
✅ الموارد الطبيعية والبنية الاقتصادية مترابطة بين الأقاليم، وأي تقسيم سيخلق كيانات ضعيفة اقتصاديًا ستعتمد على القوى الإقليمية والدولية، مما يعني تحويلها إلى ساحات نفوذ خارجي دائمة.
✅ العاصمة الخرطوم وحدها تمثل “سودانًا مصغرًا”، فكيف سيتم تقسيمها؟ هل سيتم طرد مكونات معينة؟ أم ستتحول إلى بؤرة صراع دائم بين الكيانات الجديدة؟
🔴 3- التقسيم لن ينهي الحروب.. بل سيحوّلها إلى صراعات داخلية لا نهائية
إذا افترضنا جدلًا أن تقسيم السودان قد حدث، فمن يضمن أن الكيانات الجديدة ستكون مستقرة؟
• هل ستقبل كل مجموعة عرقية أو إقليمية بسيطرة طرف واحد عليها؟ أم أننا سنشهد صراعات داخلية بين أبناء كل “كيان” جديد على السلطة؟
• ماذا عن الجماعات المسلحة؟ هل ستوافق على التنازل عن السلاح؟ أم أنها ستتحول إلى ميليشيات تتقاتل داخل كل كيان مقسم؟
• هل القوى الإقليمية ستقف متفرجة؟ أم أنها ستستغل الوضع لتوسيع نفوذها في السودان المفكك؟
الحقيقة واضحة: التقسيم لن ينهي الصراع، بل سيفتح أبوابًا جديدة لجحيم أكثر تعقيدًا.
🔴 4- هل المشكلة في وحدة السودان أم في سوء إدارة الدولة؟
إذا كان السودان يعاني منذ 70 عامًا من الفشل السياسي، فلماذا يكون الحل في تمزيقه بدلًا من إصلاحه؟
✅ المشكلة ليست في “حدود السودان”، بل في طريقة إدارة الحكم والثروة والسلطة.
✅ الانقلابات العسكرية والأنظمة الإقصائية هي السبب في تفكيك الدولة، وليس “وحدة السودان” بحد ذاتها.
✅ بدلًا من الهروب إلى تقسيم عبثي، الحل الحقيقي هو بناء دولة مدنية ديمقراطية قائمة على المواطنة المتساوية.
وهنا يأتي دور مؤتمر نيروبي كخطوة تاريخية نحو إعادة هيكلة السودان سياسيًا دون الحاجة إلى التمزق والانهيار.
🔴 الخلاصة: تقسيم السودان = إعادة إنتاج الكارثة بشكل أوسع وأخطر
من يتحدث عن التقسيم كحل، إما يجهل دروس التاريخ، أو يتجاهلها عمدًا لأسباب سياسية.
✅ كل دولة انهارت واتجهت نحو التقسيم، دخلت في فوضى أكبر، وكياناتها الجديدة لم تنجُ من النزاعات الداخلية.
✅ السودان ليس استثناءً، وإذا تمزق، فلن يكون هناك استقرار، بل كيانات ضعيفة، غارقة في الحروب، تحت رحمة التدخلات الأجنبية.
✅ الحل ليس في رسم حدود جديدة، بل في إنهاء الحكم العسكري، وبناء نظام سياسي جديد يعيد توزيع السلطة والثروة بعدالة.
*إما تسوية تاريخية عبر الحل السياسي المطروح في نيروبي، أو الخراب الكامل الذي لن ينجو منه أحد.*
#السودان_واحد | #تسوية_تاريخية | #احنا_بنستحق_السلام





