علي أحمد
يعتقد قائد الجيش أن سياسة المراوغة التي صارت ديدنه في إدارة الدولة، فأوردتها الهلاك والتفكك والعزلة والحرب والفوضى، ستحقق له “حلم أبيه” ورغبته الجامحة في أن يصبح رئيساً، حتى ولو على أشلاء السودانيين وعلى بقايا بلد مُدمّر لا يصلح للعيش.
الآن، ومع تحقيق الجيش تقدماً عسكرياً نسبياً في وسط البلاد، دعا الرجل الشره إلى السُّلطة بعض قيادات ما تُسمى الكتلة الديمقراطية، المعروفة شعبياً بـ(جماعة الموز)؛ وهي كتلة سياسية انقلابية خططت ونفّذت مع البرهان انقلاب 25 أكتوبر 2021، الذي أورد السودان هذه الحرب، لوضع خارطة طريق لإعلان ما سماها مرحلة تأسيسية تقوم على الوثيقة الدستورية، مع إجراء بعض التعديلات لتتناسب مع المرحلة وتتسق مع طموحه في السلطة وبقائه فيها أطول وقت ممكن.
وقد كشفت تسريبات من مصادر مختلفة داخل الكتلة الديمقراطية (جماعة الموز) أن خارطة الطريق التي تقدّمت بها إلى البرهان تتضمن مرحلتين: مرحلة تأسيسية لاستكمال المهام العسكرية (الحرب) واستعادة الأمن والاستقرار (لم تُحدّد مدتها)، تعقبها مرحلة انتقالية لأربع سنوات، على أن يكون البرهان الحاكم الوحيد طوال المرحلتين اللتين تضمنتهما خارطة (الموازنة)، مع تعيين رئيس وزراء مدني مكلّف بواسطته، يتولى السلطة التنفيذية بحكومة (كفاءات مستقلة) لا تشارك فيها القوى السياسية، فضلاً عن تعيين مجلس تشريعي مكوّن من 250 عضواً، يضم ممثلي القوى السياسية والمجتمعية (الإدارة الأهلية)، والمرأة، والنقابات.
لن يفوت على ذي فطنة أن هاتين المرحلتين، اللتين يريد أن يحكم خلالهما البرهان، لن تديرهما (حكومة مستقلة) كما ورد في التسريبات؛ لأن حركات الارتزاق المسلحة، والقوى السياسية السائلة، والإدارات الأهلية المرتشية، ومليشيات الإخوان المسلمين الإرهابية، التي ساندت البرهان في انقلاب أكتوبر 2021، وأشعلت معه الحرب ودعمته خلالها، لن تقبل أن تخرج من هذا المولد بدون (حُمص). ولأنها هي من وضعت – بالتشاور مع قيادة الجيش – ما يُعرف بخارطة الطريق هذه، فإنها لن تتنازل عن نصيبها من السلطة في المرحلتين القادمتين، وإن ادّعت أنها تدعم إعلان حكومة كفاءات مستقلة (تكنوقراط)، فهذا محض ذر للرماد في العيون.
أمر آخر تم التمهيد له بطريقة (فهلوية) مراوغة، وهو مشاركة النظام البائد (الكيزان) في هاتين المرحلتين، بل ستكون له اليد الطولى والقول الفصل في ذلك، لكن ولأنه مرفوض محلياً وإقليمياً ودولياً، حاول البرهان، خلال كلمته التي وجهها في ختام ما سُميت بـ”مشاورات القوى السياسية الوطنية والمجتمعية”، أن يُبدي بعض الغِلظة إزاء الإسلاميين، حيث حذّرهم بلغة صارمة من التفكير في العودة للحكم “على أشلاء السودانيين”. الأمر الذي أثار جلبة وضوضاء وجدلاً، خصوصاً أن مليشياتهم الإرهابية تقاتل معه صفاً واحداً، حيث تتولى المهام القذرة نيابة عن الجيش، فتذبح، وتسحل، وتحرق، وتبقر البطون، وترتكب كل الموبقات. فما الذي يجعل قائد الجيش يتنكر لها والحرب لم تنتهِ بعد؟!
إذاً، فالواضح لكل ذي بصيرة، أن ثمة خطة خفية تُطبخ على نار هادئة بين بورتسودان وعاصمتين عربيتين، لتهيئة الطريق لإقامة حكم عسكري عضوض برئاسة البرهان، تحت مظلة هجينة من الكيزان، مطعّمين بجماعة الموز، مع عينة (ثورية) رديئة في القاهرة: ثلاثة ورابعتهم مريم، أو أربعة وخامستهم مريم ، يقيمون الليل بالنهار في التواصل مع البرهان، كل هذا تحت رعاية وإخراج منظمة “برومديشن”، إحدى أذرع المخابرات الفرنسية، ومديرها الكولونيالي العجوز!
خلاصة القول: إن المرحلة القادمة ستشهد عودة النظام السابق (الصف الثاني أو الثالث) وإدارة الدولة من وراء ستار، وسيكون البرهان متخذ القرار الأول في الدولة إلى أن تحدث مفاصلة جديدة بينه وبين الكيزان الكامنين (في الخلف) إمَّا أن يُقتل فيها أو يقتُل. فيما سيتم التخلص من الموز في المزبلة.
البرهان لا يُؤتمن، هذه حقيقة، ومن يقول غير ذلك، عليه أن يقرأ أسماء الكيزان والأمنيين الثلاثة الذين عيّنهم أمس الأول كمساعدين أوائل للنائب العام، ومنهم الكوز الأشهر ضابط الأمن ياسر أحمد محمد، رئيس نيابة أمن الدولة في عهد المأفون البشير!
إنه يطبّق وثبة البشير، ولكن بأرجل كسيحة لا تقفز!