العرب الدولية:
شهدت الأزمة السودانية تحولا لافتا في مواقف العديد من الفاعلين السياسيين والعسكريين، ومن بينهم مني أركو مناوي، الذي ظل محافظا على الحياد النسبي لعدة أشهر قبل أن يقرر الدخول في الحرب.
لم يكن مناوي مجرد طرف في الصراع، بل سعى لأن يكون قوة مؤثرة على الأرض، ما يعكس طموحاته السياسية وإستراتيجيته في التعامل مع التوازنات الداخلية والخارجية.
انخراطه في الحرب:
انخرط مناوي في الحرب نتيجة إدراكه أن بقاءه على الهامش سيضعف موقفه المستقبلي، خاصة أن قوات الدعم السريع كانت تتوسع بسرعة وتفرض سيطرتها على دارفور، وهو ما هدد نفوذه في الإقليم.
إن استمرار الدعم السريع كقوة مهيمنة على الأرض كان يعني عمليا أن مناوي لن يكون أكثر من تابع أو مجرد شخصية هامشية في المشهد السياسي، حيث لن يكون حاكما لدارفور إلا تحت هيمنة الدعم السريع، وهو سيناريو لا يتناسب مع طموحاته.
الدعم السريع بعثر طموحات مناوي:
علاوة على ذلك، فإن تمدد الدعم السريع لم يكن يهدد مكانته السياسية فقط، بل كانت له تبعات عسكرية مباشرة على قواته. فجيش تحرير السودان بقيادة مناوي يعتمد على دارفور كعمق إستراتيجي ومصدر للتمويل والتجنيد. ومع سيطرة الدعم السريع على الإقليم، وجد مناوي نفسه أمام معضلة حقيقية، فإما أن يدخل في مواجهة مباشرة مع الدعم السريع للحفاظ على نفوذه، أو يقبل بالتبعية لقوة صاعدة قد تلقي به خارج المعادلة السياسية تماما.
ضعف الجيش السوداني:
أدرك مناوي أيضا أن الجيش السوداني في وضع ضعيف، وأنه لم يعد يملك القدرة على استقطاب الجنود وتجديد قواه القتالية، نظرا لسنوات من التراجع في عمليات التجنيد والتدريب. لذلك رأى في دخول الحرب فرصة ليقدم نفسه كقوة بديلة عن الجيش، وليس مجرد فصيل مسلح تقليدي. هذه الخطوة تعكس فهمه للتوازنات العسكرية والسياسية في السودان، حيث حاول أن يملأ الفراغ الذي تركه ضعف الجيش، مقدما نفسه كفاعل أساسي في إعادة رسم المشهد العسكري.
التحالفات الإقليمية والدولية
يبدو أيضا أن التحالف القائم بين قطر وروسيا وإيران لا يمكنه الاعتماد على جبريل إبراهيم، لضعف تأثيره السياسي والعسكري. فجبريل رغم أنه يمثل جزءا من الإسلاميين، إلا أن دوره في المشهد السوداني ليس بالقوة التي تؤهله لأن يكون شريكا رئيسيا في مشروع قطري – روسي – إيراني في السودان. وبالتالي، فإن مناوي يبرز كبديل أكثر قوة ومرونة، وقادر على المناورة وتحقيق مكاسب سياسية دون أن يكون محسوبا بالكامل على أي طرف.
موقف حساس
إن مناوي اليوم في وضع حساس، فهو من ناحية يسعى إلى فرض نفسه كقوة بديلة في السودان، ومن ناحية أخرى يحاول تجنب الظهور كطرف تابع لأي قوى إقليمية أو دولية. نجاحه في تحقيق هذه المعادلة يعتمد على قدرته على المناورة، وعلى مدى استعداده لمواجهة التحديات التي قد تعترض طريقه. أخيرا، لا يكفي أن يكون لاعبا في المشهد، بل عليه أن يكون قادرا على البقاء والاستمرار في ظل واقع متغير وتحالفات غير ثابتة.