خِطاب عبدالفتاح البرهان الأخير آتى في سياق متوتر بعد سنوات من الأكاذيب المتواصله من الثلاثي رؤوس الشيطان-(البرهانكباشيالعطا)-التي أحدثت إضطرابات سياسية وإجتماعية في السودان،تُعتبر حرب ١٥أبريل واحدة من تخطيط ثُلاثي رؤوس الشيطان ومن يقف خلفهم من الإسلامويين، وأصحاب الإمتيازات التاريخية الذين أشعلوا الحرب من أجل المحافظة على السُلطة والثروة.
المُلاحظ أن خِطاب البرهان لا جديد فيه من حيث الإسلوب الثعلبي الماكر ومحاولة اللِعب على كافة الحِبال،فقد حَمل الخِطاب نبرات تصالُحية الهدف منها إستباق أي ردود فِعل دولية تتعلق بالجرائم التي أرتكبها أفراد جيشه بتوجيهات مباشرة منه،وقد حاول البرهان جاهداً تخدير الشارع السوداني كما فعل من قبل عندما خاطب الراسطات وأرسل التحايا للواقفيين قنا،ثم غدر بهم في مذبحة القيادة العامة،وفي استهداف الفاعلين من الشباب من خلال قنصهم في المواكب التي رفضت انقلاب ٢٥إكتوبر،أما النبرة التهديدية الزائفة التي خاطب بها عناصر المؤتمر الوطني فهي تمثيلية واضحة لم يجيد البرهان حَبكتها الدِرامية،وفي ذات الوقت تعني أن البرهان كقائد للجيش لن يتخلى عن السُلطة والثروة، والتمسك بهما.
السؤال الذي يُطرح:هل البرهان حدد جدول زمني للإنتقال كما زعم؟وهذا يُعد نُقطة محورية تكشف أكاذيب البرهان ومحاولة تزحلقه السياسي بفهلوة لا يدري عواقبها الخويمة كما فعل من قبل عندما سمح للإسلامويين وكتائبهم الداعشية بإشعال حرب ١٥أبريل التي لم يستطع البرهان الثبات فيها فأختفى أكثر من أربعة أشهر ثم خرج مهرولاً نحو بورتسودان في ظاهرة تاريخية مُشينه سجلها كأول قائد جيش يفر من ميدان القتال تاركاً جنوده للهزائم المُتتالية.
خِطاب البرهان يجب تحليله من زاويتين:”ما يُقال،وما يُفهم”،قد يحمل الخطاب رسائل مُطمئنة،أو يُفسر كتحذير مُبطن كعادة البرهان في الغدر ،والأهم هو متابعة الأفعال التي تصدر من البرهان لاحقاً ،لأن خطاباته السابقة كثير ما حَملت وعوداً لم يستطع تحقيقها على أرض الواقع،بل السِمة الأساسية التي إتصف بها البرهان،هي الغدر والخيانه والنكوص عن العهود بالشواهد والأدلة خلال فترة التي تلت سقوط البشير.
لا نستطع قراءة خطاب البرهان بمنعزل عن الموقف المُخذي الذي إتخذته مجموعة “تقدم” وأطلقوا عليه (فك الإرتباط)،وهذا يوضح عُمق مأساة الصراعات السياسية السودانية وكيفية إدارة الخلافات وطبيعة البيئة السياسية المُضطربة في السودان،وتفاعل القوى الخارجية مع هذة التطورات.
ليست جديد على القوى السياسية الإنقسامات فقد شهد مؤتمر الخريجيين إنقساماً كبيرا قبل الإستقلال نتج عنه تكوين حزبين إرتهن كل واحد منهما للخارج فأصبحت القوى السياسية والعسكرية السودانية لا تمتلك إرادة حقيقية في اتخاذ المواقف الوطنية التي تخدم مصلحة الشعوب ومن ذاك التاريخ دخل السودان في نفق الصراعات المتتالية،التي عطلت الإنتاج والإنتاجية و هدمت الخِدمة المدنية وأعقدت السودان كسيحا لا يستطع اللحاق بركب التقدم والتطور .
إنقسام تقدم وإن بدأ للعيان أنه إنقسام إجتماعي وإصطفاف إثني واضح إلاِّ أنه يحمل في طياته إنقسام طبقة أفندية نُخبوية بعضها يهتم بمصالحه وإمتيازاته التاريخية ويحاول المحافظة عليها،ولا يهمه مُعاناة الشعب السوداني.
فك الإرتباط بين مجموعة تقدم قد يؤدي إلى فقدانها زخم التأثير فيما يتعلق بوقف الحرب.
قد يحاول فصيلا تقدم المنشقين تشكيل تحالفات جديدة مع مجموعات سياسية أُخرى سوى كانت معارضة لجماعة بورتسودان أو داعمة لعملية السلام ،وهذا قد يعطيها فُرصة الإستمرارية بشروط جديدة أو ضمن إطار سياسي مختلف.
بعض مجموعة تقدم التي آثرت دعم عملية السلام عبر إنشاء حكومة موازية لمجموعة بورتسودان،قد تندمج مع القوى السودانية العريضة التي تناهض الحرب وتدعم السلام وهذا ما قد يسمح لها بالبقاء ضمن مجموعات سودانية أوسع تدعوا للسلام،وهذا يعتمد على قُدرة القيادة الجديدة لتلك المجموعات على حل تفاصيل الإختلافات داخل الكيان جديد،بالإضافة إلى وجود الدعم الشعبي المستمر من الذين يؤمنون بأهمية السلام ووقف الحرب وحماية المواطنيين وتخفيف المعاناة،وهذا قد يجد تفاعل كبير من أطراف أخرى سوى كانت حكومات اقليمية ومحلية ومجتمع دولي يدعم هذة التحولات التاريخية في الشأن السوداني.
أما المجموعة التي أعلنت فك الإرتباط ورفضها لتشكيل حكومة تنقذ الشعب السوداني قد تشهد تراجع وإنهيار إذا لم تتمكن من التكييف مع الأوضاع الداخلية والخارجية وقد ينتهي بها الحال إلى التلاشي أو فقدان الدعم الشعبي،مما قد يؤدي إلى إختفائها من الساحة السياسية،عِلما بأن الشعب السوداني لم يعد يهتم بالأفندي صاحب الكرفتة الذي ينمق الكلام ،بقدر حوجة المواطن لقيادة واقعية فاعلة متفاعلة مع إحتياجات شعوبها ومحاولة تخفيف عِبء الآزمة التي خلفتها حرب ١٥ابريل اللعينة.
وما زالت الأسئلة تحتاج لإجابة :هل سيشهد السودان واقع مُغايير؟!أم ستتعمق مأساة الإحتراب والإقتتال في السودان في ظل تنامي المجموعات الإرهابية والمليشيات الإثنية المناطقية في قُرى الجزيرة وشمال وشرق السودان؟!.
ولنا عودة بإذن الله.
الأربعاء،١٢فبراير/٢٠٢٥م
✍فاطمة لقاوة️🏽





