مقال رقم《1》
عندما خرج المحامي الأردني “عون الخصاونة”،بعد تحكيم لاهاي في يوليو ٢٠٠٩ ،ونطق الحق :(أن تحكيم لاهاي أضاع الحقوق التاريخية لشعب المسيرية في منطقة أبيي)،ادركت كما أدرك الجميع بأن حكومة المؤتمر الوطني في الخرطوم برئاسة البشير ومن معه، قد باعوا المسيرية في أبيي،أمام تحكيم لاهاي،مقابل بعض حقول النفط ،وقد قال الدِرديري محمد احمد ممثلة حكومة المؤتمر الوطني بلاهاي -بكل وقاحة وعدم حياء وفقدان ذمِة-:(أنه يعتقد أن التحكيم جاء نصراً للحكومة)،مما يؤكد بأن أبناء المسيرية الإسلامويين جميعهم مُدجنيين لا أخلاق لهم إتجاه أهلهم،وانهم فضلوا بيع مجتمعاتهم وشعوبهم والتضحية بهم مقابل بقاء النُخب في المناصب وتنفيذ أجندات حزبهم،فاصبح ولاء أبناء المسيرية الذين سمتهم حكومة الخرطوم خطأ بالكباتن،لحزبهم وحكومة المركز أكبر من إهتمامهم بمجتمعاتهم وقضاياهم المُلحة.
المُعارضة السودانية في ذاك الوقت وما زالت تتنصل عن تقديم دراسة بطريقة مسؤولة تساعد به المسيرية ودينكا نقوك في معرفة الجوانب الحقوقية التي تتطلب التسوية ،ومعرفة أهمية السلام المجتمعي الذي يساهم في إستقرار الأوضاع في أبيي.
المعارضة السودانية للأسف طلبت من أمريكا أن ترفع يدها عن مسألة أبيي وتترك للمسيرية ودينكا نقوك ترتيب الحقوق بالتسوية وهذا في حد ذاته يُعد هروب للإمام وتنصل من الوقوف في القضايا الوجودية لشعوب منطقة أبيي من الجانبين.
قد يكون الأمريكان أفضل من المعارضة السودانية وحكومة المؤتمر الوطني- (نُخب الدولة المركزية العميقة)-وقدسعى الأمريكان مِراراً وتكراراً لتعريف لفظ “الإقامة في أبيي” من اجل تقريب وجهات النظر بين أطراف النزاع،لأن أمريكا تعلم أن التصويت في الإستفتاء لن يتم دون تحديد شرط الإقامة ،ويكون مقبول للطرفين.
رَهن مسألة أبيي بالأطراف القبلية كشف القصور الكبير في عقلية النُخب المركزية،وأوضح العِلة الأساسية التي ورثها العقل السياسي النخبوي في دولة جنوب السودان التي وُلدت وهي تحمل جِنات الأمراض الوراثية من دولة السودان المركزية.
سعت النُخب المركزية لربط صِراعاتها السياسية بالقبيلة منذ الإستقلال،وقد شهد الأمر تعقيداً أكثر في منتصف الستينيات،فأصبحت شجرة الصراع السياسي السوداني مرتبطة سيامياً بالنزاعات القبلية،وإجتهدت الإستخبارات العسكرية والأجهزة الأمنية والشُرطية في تدبير وخلق وصناعة النزاعات القبلية وإستغلال البيئة الإجتماعية الهشة في زعزعة الأوضاع في هوامش السودان لضمان بقاء المركز آمناً،وضمان عدم إلتفاف إنسان الهامش السوداني توحدهم حول قضاياهم المُلحة والمتعلقة بحق المواطنة والحقوق المتساوية.
الأمريكان إلتقطوا قفاز القصور الفكري لنُخب المركز هذا، وتدجين الأحزاب لكوادرها من أبناء المسيرية وتبعيتهم العمياء لقرارات المركز،وعمالة الدِرديري محمد أحمد،الذي باع لُحمةالدم المسيري بثمن بخس مقابل تمرير أمتيازات آنية لحزبه-(حيث باعت حكومة المؤتمر الوطني حقوق المسيرية التاريخية في أبيي مقابل البترول،فكان الاتفاق بين حكومة البشير والجيش الشعبي لتحرير السودان ،ان يأخذ الجيش الشعبي ابيي،وتأخذ حكومة الخرطوم البتروا)-كما نقرأ كتاباته المُجحفة والمُحرضة ضد بعض المجتمعات خدمة لأجندات من أشعلوا حرب ١٥أبريل/٢٠٢٣،وتعد كتابات الدِرديري محمد احمد مثابة دليل جنائي يساهم في فتح بلاغ ضدته بإعتباره مُحرض ضد شعوب الرعاة في الحزام الممتدة من كردفان الى دارفور ،وقد ارتكبت حكومة برتسودان جرائم حرب وجرائم ابادة جماعية وجرائم ضد الانسانية عندما انساقت وراء كتابات الدِرديري ومن معه من الصحفيين والإعلاميين المحرضين في هذة الحرب ويجب محاسبتهم ورصد ما صدر منهم.
إختصر الأمريكان مطالب المسيرية في حق الرعي في الأرض فقط وتجاهلوا حق التملك،متعمديين ظُلم قبيلة المسيرية،بينما في الواقع أن لشعب المسيرية حقوق تاريخية في المنطقة ،ولهم إسهامات إجتماعيةو سياسية وثقافية وإقتصادية وعسكرية في الدولة السودانية شأنهم شأن كافة القبائل في الحزام الرعوي الممتد من كردفان إلى دارفور.
وللمسيرية مجهودات ثورية في حركة الثورة السودانية الممتدة ونضالهم ضد المستعمر ولهم القدح المُعلا في الثورة المهدية.
لم يكن شعب المسيرية بعيدين عن الإدارة والحكم في عهد الإستعمار البريطاني المصري”حكم الانجليز” ،فكانت لمجالس ريفي المسيرية في لقاوة الكُبرى وأبوزبد والأضية والفولة وبابنوسة والمجلد وأبيي،إسهامات إدارية وتنموية وسياسية واضحة،وقد قدم مجلس ريفي المسيرية في لقاوة البرلماني الأستاذ سعيد فرج الله ،وفي أبيي السُلطان دينج مجوك،فكانت دار المسيرية نموذج للحُكم الرشيد والتعايش المجتمعي المتماسك اللُحمة،ولكن سُرعان ما سعت حكومات المركز في إضعاف التماسك المجتمعي وزرع بؤر العنصرية والتفريق بين المجتمعات وصناعة الإحتراب القبلي.
رفض قادة المسيرية لجذرة الامريكان ووعدهم بتطوير المراعي وتقديم الخدمات التنموية النوعية في دار المسيرية بما ينسيهم أبيي ينم على وعي العقل الجمعي لإنسان البدو عموما والمسيرية على الأخص،مما يؤكد على أن مراهنة النُخب المركزية على تقديم إنسان الحزام الرعوي الممتد من كردفان لدرافور قُرباناً من أجل إستمرار الحِلف المركزي المشوهة من اجل السُلطة والمال لن تكون رابحة طويلا.
ولنا عودة بإذن الله.
فاطمة لقاوة
السبت،٢٥يناير/٢٠٢٥م





